حكاية القوة

تحكي القصة وقائع تخيلية لنجار وجزار، وأحداثاً جرت بينهما، وكانت النتيجة في نهاية المطاف، جداً مؤلمة، لكنها قصة تتكرر في كل زمان ومكان، مع اختلاف الشخصيات، والقصة تسلط الضوء على تغيير ميزان العدل، لينقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق، وهكذا تسير مجريات الأمور في كثير من الأوقات، ليس لسبب إلا أننا كثيراً ما نقبل بحكم الواقع، ونرفض العدل والمساواة في الحكم على قضية، ربما تتكرر لكنها تبقى محيرة، لأننا منذ البدية، قلبنا الميزان.

ذهب جزار إلى نجار، وطلب منه أن يعطيه جذعاً ليقطع عليه اللحم، وكان النجار مستعداً كعادته لخدمة الجزار، فسأله بعض الوقت ليبحث له عن طلبه، وذهب النجار إلى الغابة، وبعد البحث الطويل وجد جذعاً عريضا ومتيناً يلبي احتياجات الجزار، فهم بتقطيعه وتجهيزه، وبعد أن قضى يومين في إتمام المهمة، عاد إلى الجزار، ليعطيه غايته.

وعند الحساب، سأل الجزار صديقه النجار، إن كان يريد المال فوراً أو يشتري بثمنه لحماً طيباً، فكان قرار النجار أن يختار من اللحم ما طاب، وسرعان ما بدأ يتفقد النجار اللحم، ولكن قدرة الجزار على الإقناع، أثرت على قرار صاحبه، فنصحه أن ينتظر يومين، ليكون نصيبه من اللحم الطازع أوفى وأوفر حظاً، وذهب النجار ليعود بعد يومين.

ذهب النجار وهو يؤمن بداخله أن صاحبه الجزار خدمه، وكان أميناً بنصيحته، وعاد بعد يومين، ليقدم له الجزار عرضاً أكثر إغراءاً من سابقه، فقال له الجزار: إن عدت بعد ثلاثة أيام سأعطيك كمية مضاعفة، وهكذا تأخر على النجار، أخذ أجره نظير الجذع الذي قدمه للجزار، وهو مقتنع بأن صاحبه في كل مرة كان يبحث عن مصلحته، ولكنه لما عاد بعد ثلاثة أيام، لم يجد الجزار ووجد ابنه في الدكان، ولما سأله عن حاجته، تنكر الولد لطلب صاحب أبيه، وسأله أن ينتظر حتى عودة أبيه.

حاجة النجار للحم، كانت ملحة، فأكد السؤال، ولكن الجزار صاحبه ليس موجوداً ورفض الابن أن يتنازل عن ثمن اللحم، فدفع النجار الثمن، وهو يسر في نفسه أن سيعود بعد أيام ليقبض ثمن خدمته، لصاحبه الجزار نقداً وتنتهي القصة.

بعد إسبوع ذهب النجار، ولم يجد صاحبه واشترى لحماً ودفع الثمن، وتكررت الحكاية حتى شهر من بدايتها، وفي المرة الأولى بعد الشهر، وجد النجار صاحبه الجزار، وبادر الجزار بالاعتذار عن فعلة ابنه، وطلب النجار الثمن، فتوسل الجزار له أن يمهله بضع أيام، وقبل النجار على أية حال، وعاد خالي الوفاض كعادته.

ذهب النجار إلي الجزار في الإسبوع التالي، ولم يجد الجزار، وتكررت الحكاية ذاتها، بأنه اشترى لحماً ودفع ثمنه نقداً، وهو لا يزال يتساءل لماذا لم يبلغ الأب ابنه بالقصة، ليخصم ثمن اللحم من الدين القديم، لكنه أسرها في نفسه ومشى.
بعد أيام عاد النجار إلى الجزار، وسأله أن يعطيه ثمن الجذع، وتفاجئ لما قال له الجزار، عن أي جذع تتكلم يا رجل؟، تسارعت الأحداث لتتعالى الأصوات، وتخيم أجواء من الصخب على المكان، لتنتهي الحكاية، بضياع الحق من صاحبه، ومع مرور الأيام يزداد الشك في أصل الحكاية، التي لم يحضر على شهادتها أحد غير صاحبيها، لكنها تتكرر في كل زمان ومكان مع اختلاف الشخصيات فيها.

لن يعود الحق لصحابه إلا إن كان هو الأقوى، فإحقاق الحق بحاجة إلى القوة، ليعود لصاحبه، ولن يكفي بأي وقت أن تكون صاحب حق حتى يعود لك حقك، لكنك تستطيع أن تسلب الحق من أصحابه إن كنت أنت الأقوى.

أشرف بن محـمد غريب
الرياض 17 أغسطس 2003

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية