نظرة للحياة عن بعد


عندما ينظر الإنسان منا للحياة عن قرب وهي الطريقة الإعتيادية للنظر للأشياء فيها عند معظم الناس فإنهم يرونها كما لو كانت ترى بعدسة تكبير مقاس 1:1000 وهذا بدوره يؤثر على النتائج التي نخلص منها للأشياء بحكم الرؤية المكبرة لها، خذ مثلا على ذلك أهمية الذهاب الى المدرسة لدى الأبناء والآباء قد تصل الى الأولوية رقم واحد لديهم. بالرغم أن هنالك أولويات أخرى أهم مثل القيام قبل ذلك لصلاة الفجر.

معظمنا ينظر للأشياء عن قرب ولو رفعنا عدسة التكبير هذه لنظرنا الى الأشياء على طبيعتها وهذا برأيي لا يكفي فنحن بحاجة لرؤية الأشياء عن بعد أي بوضع عدسة تصغير مقاس 1000:1 أو أكثر.

هذه الحياة مجموعة من الأسماء تتطور وتتغير بتطور الإنسان وبتطويره لمسخرات الكون من حوله ولكن هنالك ثمة أشياء ثابتة في الكون لا تتغير وقد نبهني الى ذلك صديق لي في الجامعة عندما كنا في المستوى الثالث فقد قال لي: "هنالك سنن في الكون لا تتغير وأنا مهتم بمعرفتها وتجميعها"، ولا حياء إن قلت أن تلك المرة الأولى في حياتي أسمع فيها عن السنن الثابتة في الكون وتعلمت بعضها ولا أزال أطمح الى معرفة الكثير منها فمثلا من السنن المادية الثابتة في الكون شروق الشمس من المشرق وغروبها من المغرب، ومثال آخر أن اليوم 24 ساعة ثابتة لا تتغير. فما الفائدة من معرفة هذه السنن؟.

بحث العديد من الأخصائيين والعلماء والمفكرين والعظماء عن الطرق التي تمكنهم من معرفة سر الحياة وكيفية العيش بسلام داخلي مع النفس ذاتها وسلام خارجي مع البيئة المحيطة حولها وفكروا وخلص معظمهم الى نتائج كثيرة، فهذه سنة معنوية ثابتة. فما هي الطريقة الأمثل للحياة الطيبة الكريمة، حياة السلام الداخلي والخارجي؟.

يقول الله تعالى :"والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصو بالحق وتواصو بالصبر" سورة العصر. وهذه خلاصة ربانية تمنحنا طريقة خلاقة للحياة الناجحة. وحسب فهمي للسورة أرى أن هنالك ثلاث محاور تمنحنا حياة طيبة كريمة، حياة ناجحة مشرقة عظيمة.

أولا: الإيمان، وهو كما جاء في كتب المفسرين الإيمان بالله وبكل ما أمر الله الإيمان به ولذلك لا بد لنا من الحرص على معرفة ديننا وتعلمه بغض النظر عن إختلاف تخصصاتنا أو أدوارنا التي نؤديها في هذه الحياة، والإيمان كما قال العلماء يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. محور أولي في معادلة الحياة الناجحة الحياة التي لا يمكن إلا تكون نتيجتها النهائية رابحة.

ثانيا: العمل، وهي حاجة ملحة على الإنسان بشكل دوري حيث يخرج شخص من الداخل ما بين فترة والأخرى ويصعد خشبة المسرح الداخلي ويمسك المايكرفون ويتكلم بصوت عال جدا، ماذا ستعمل؟ ماذا عملت؟ ماذا تعمل؟ وهو يحاكي الشعور بنيل المال أو نيل الشهرة أو الأجر والمثوبة أو أو أشياء أخرى. والله بسط لنا الأمر بأن يكون العمل عمل صالح فيه منفعة ولا يكون فيه ضرر فهو عمل خير وليس عمل شر ويمكننا من خلال التركيز على أهداف واضحة محددة في الحياة من تحديد المجال الذي يمكننا أن نعمل فيه أعمال كبيرة بارزة طموحة تؤثر بالمجتمعات وتخلد الأثر الكبير لنا ولقيمنا ولمعتقداتنا.

ثالثا:التعاون الجماعي، وفيه النصيحة والتعليم وإنكار المنكر وإحقاق الحق والذود عن الحياض ونصرة المظلوم وفيه العمل على تقوية الإيمان وإخلاص العمل والموضوع أكبر من وريقات تكتب في سويعات ولكن مالا يدرك جله لا يترك كله فالتعاون الجماعي من شأنه يرفع الأمم وفي ذلك أدلة واضحة من الكتاب والسنة على أهمية التعاون والتكاتف الجماعي والتعاضد ومنها ما قاله صلى الله عليه وسلم "خير الناس أنفعهم للناس" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال أيضا: " من فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه بها كرب يوم القيامة" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

إيمان، عمل وتعاون يؤدي الى حياة رابحة في الدنيا والآخرة. دائما تختلف نتائج الأمور عندما تختلف النظرة اليها وتتطور مفاهيمنا عن الحياة بتعمق رؤيتنا وبإستخدام عدسات تصغير أعلى دقة تختلف عن 1000:1 إلى أن تصل 1000000000:1 وهذا بنظري الفرق بين العظماء في هذا الكون والسفهاء، فالعظماء يسعون الى تصغير عدسة الرؤيا قدر ما يستطيعون والسفهاء لا يكفيهم أن يكونوا ناس عاديين من خلال النظر من خلف عدسة زجاجية 1:1 بل يسعون الى تكبير العدسة لتصل الى 1:1000، ويصح فيهم قول الشاعر:

وتعظم في عين العظيم عظامها وتصغر في عين الصغير الصغائر

ولا شك أن هنالك أمور تتطلب النظر فيها عن قرب مثل العلم والبحث العملي خلافا عن الحياة التي إن نظرنا لها عن بعد سنتمكن من الوقوف على خط العمر طول العمر ولا تكون لنا وقفة واحدة عند ساعة الموت.

تستطيع من خلال التأمل والتفكر والخلوة مع الذات تصغير عدسة الرؤيا للحياة والنظر في الماضي ومعرفة الأخطاء لتلافيها في المستقبل، والنظر الى المستقبل ووضع رسالة الحياة التي تصف فيها دورك الذي ستؤديه في الحياة وتعمل على تطبيقها في حياتك. وتذكر أن العظماء معظمهم خريجوا مدارس التأمل فمنهم سيدنا إبراهيم عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم وما دونهم كثيرون ولكن كل العظماء بجملتهم قليلون فأين تريد أن تكون؟ وماهي العدسة التي ستستخدمها بعد اليوم؟.

أَشْرَف بن مُحَـمَّد غُرَيِّب
جدة – 16/01/1425هـ
09/03/2004م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية