الهدف والوسيلة

هنالك فرق واضح بين الهدف والوسيلة الأول هو ما نريد الوصول اليه والثاني هو مانسلكه للبلوغ المراد أي تحقيق الأول، وكلنا يعرف معنى الهدف والوسيلة إلا أن البعض منا يجعل أهدافه أشياء يفترض بها أن تكون وسائل لتحقيق الأهداف.

عندما تخرجت من الثانوية ودخلت الجامعة كان من أهدافي أن أتخرج وأن أعمل لأنفع نفسي وأسرتي وأمتي وكان من أهدافي أيضا أن أتزوج وأن أنجب أولادا وأربيهم وكان لدي أهداف أخرى قليلة وكثرة كبيرة وصغيرة، ولكنني اليوم أؤمن بأن الزواج وسيلة والتخرج من الجامعة وسيلة والأولاد وسيلة والعمل وسيلة والأهداف أشياء أكبر من ذلك بكثير، فاليوم من أهدافي إحياء القراءة في مجتمعاتنا الإسلامية وإستخدامها كوسيلة فاعلة لبناء المجتمعات ولدي أهداف أخرى كثيرة أسعى الى تحقيقها ومنها ترك أثر كبير في الحياة قبل فراقها. ما رأيك؟ أهذه أهداف وتلك أهداف؟

يقول البعض أن هنالك تغير طبيعي في طريقة تفكير الإنسان يحدث هذا التغير بتغير عمره أو بمعرفة جديدة أو بالتأثر بآخرين أو بأشياء أخرى، ولا أختلف معهم بالرأي إلا أن هذا لايعني أنه كلما كبر الإنسان كبرت أهدافه. نعلم جميعنا أن صلاح الدين الأيوبي كان يطمح لتحرير المسجد الأقصى منذ صغره، فلماذا لم تكن أهدافه صغيرة منذ البداية؟ أعتقد أن الأهداف يجب أن تبدأ كبيرة وتبقى كبيرة لنتمكن من إنجازها أما الأشياء الصغيرة فلا شك في أهميتها ولكنها وسائل لتحقيق تلك الأهداف الكبيرة، ولاضير في تغيير الأهداف وتطويرها وإضافة أهداف جديدة من حين لآخر فهذه هي الحياة الحقيقية يقول عمر بن عبدالعزيز رضي الله وعنه ورحمه بعد أن تولى الخلافة" إن لي نفسا تواقه كلما وصلت الى شئ تاقت الى ماهو أعلى منه، وإن نفسي تاقت الى الجنة"، فهنا حكمة بالغة في تطور الأهداف وتجددها إلا أن الذي يفكر بهذه الطريقة حتما لاتكون أول أهدافه إمتلاك دابة يركب عليها، أي مثل أهداف كثير منا اليوم.

يقول الله تعالى "أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم" سورة الملك. وقفة مع الذات وتأمل ثم نظرة بإمعان وإسأل نفسك هذا السؤال الإلهي هل أمشي على طريق واضح مستقيم محدد؟ أم أهيم واسير لا أعلم إلى أين. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كنت قد منعتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وعندما فكرت في هذا الحديث آثر على أن أزور القبور وأفكر فيها وأتأمل إلى نهايتي المعروفة الواضحة المحددة والتي قد تختلف بحسب المكان والزمان والكيفية ولكنها تشبه ما ترى عيني ثم أجلس مع نفسي وأسأل "وين رايح؟".

وقفة إسبوعية مع الذات في غرفة هادئة أو في مكان هادئ كجلسة على شاطئ البحر أو في الصحراء أو حتى في المكتب لايهم المكان بقدر مايهم الهدوء والهدوء التام الذي يوفر مزية الإنقطاع عن الدنيا والناس وتكاليف الحياة وقفة كهذه كفيلة بأن تخرج ملايين الأشياء الحقيقية في داخلك تمكنك من رؤية أهداف حقيقية كبيرة ترسمها في مخيلتك ثم تعود وتبدأ حياتك بشكل طبيعي تفكر بالوسائل المتاحة والمطلوبة لتحقيق تلك الأهداف.

وإن بدأت أهدافنا صغيرة بحكم الضعف الأسري الغالب على طبيعة أسرنا الشرقية في هذه الحقبة من الزمن، فإن تجاوز هذا يمكنه أن يكون من اليوم مع وقفة تأمل في الأهداف ثم التفكير في وسائل تحقيقها.

أَشْرَف بن مُحَـمَّد غُرَيِّب
جدة – 16/01/1425هـ
09/03/2004م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية