الناس أجناس لا أنجاس

نحن ندرك جيداً كمسلمين، أنه لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، ونعلم أن العالم اليوم يضم أمماً من الناس، كثيرة اعتلت وارتقت ليس بعروبتها ولا بتحزبها، وإنما بعملها وعلمها، إلا أننا لا نزال نخوض ونلعب في مجالسنا، بأقوال منبوذة لا ينبغي لقائل أن يقولها.

إن الواعي يعرف أن الوقوع في شرك الحوار، والخوض في قباحة التصنيف، أمر يخالف الدين، يقول الله: "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" والمتأمل في عمق أسباب الخلق وتصنيفهم شعوباً وقبائل، يعرف أن تجاهل التصنيف أولى من إثباتها.

تتغير الحوارات والمواضيع، لكننا في كثير من الأوقات نكاد نتفق على عنصرية، ونمقتها في وقت لاحق، يقول الله "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ومع ذلك نخطئ في الخوض بحديث لا نفع فيه ولا فائدة ونستمر في التصنيف.

في قراءة صباحية عابرة، استوقفتني كلمات تقول: " الفراشة رغم جمالها، حشرة، والصبار رغم قسوته، زهرة، فلا تحكم على الناس من أشكالهم" لكنني وجدت نفسي قريباً من حديث مجالسنا، وبعض من جاهليتنا، فرددت بقولي، ولا يضر جمال الفراشة أن أصلها حشرة، ولا ينفي شوكة الصبار أن أصله زهرة.

لا تحكم على الناس من أشكالهم ولا أصولهم وإنما من أفعالهم وأقوالهم، علينا أن نسموا إلى تبديد، تلك الحدود والفروقات، لتذوب في المجتمع الناهض بأخلاقه والواثب بعمله والمتقدم بعلمه، فلا يضر العامل في أعمال النظافة شيء، إنما هو يطلب الرزق بعمله، ولا يرفع من شأن الخامل الجالس شيء، من كرامة أصله وحسبه ونسبه.

يتميز الناس بأنسابهم، ولكن تلك المزايا سرعان ما تتلاشى، في حراك العمل، وبيئة البناء، حتى يتعاضد الكل، ويحقق الهدف الواحد، فلنترك كل تلك التحزبات، التي لم تغذي أخلاقنا ولا أمتنا ولا عروبتنا، إلا بكل ما جعلها أهون وأوهن، ولنجعل جل اهتمامنا وتركيزنا على التعارف فيما بيننا، على أصول العلم والعمل، وليتعلم كبيرنا من صغيرنا وصغيرنا من كبيرنا، دروسا في التعاضد والتكاتف والتعاون، لنصبح كما أراد الله لنا أن نكون، "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"، ولندرك إيماننا بالله، العليم الخبير، من ذلك التعاون.

أشرف بن محـمد غريب
الرياض 21/10/2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية