استنكار مضاد

يستنكر الأطباء على من يتحدث عن مواضيع الطب وهو ليس بطبيب، ويستنكر المهندسون على من يتحدث عن مواضيع الهندسة وهو ليس بمهندس، وكذلك أهل الشريعة وأهل الإدارة وأهل الفن، وأصحاب كل علم على من يتحدث بعملهم وهو ليس منهم.

عندما لا يقوم الأطباء بدورهم كما يجب، وعندما يبدع آخرون في الحديث عن مواضيع ليست ضمن تخصصاتهم الأساسية، أرى أن على أهل ذلك التخصص أن يلتفوا حول المتحدث إن كان صاحب معرفة ورؤية وعمق فكري وعلمي فيما يتحدث عنه.

والقارئ في سير العلماء وتاريخ المفكرون سيدرك أن هنالك أقوام تحدثوا بعلوم ليست من ضمن تخصصاتهم الأساسية ولكنهم أبدعوا في تناولها إبداع يستحق التقدير والاهتمام والاشارة اليه.

والعجيب أن غالبا ما يبرز من يهتم في علم ويركز على دراسته ويتعمق في فهمه ويدرك مداخله ومخارجه، أكثر من أهل التخصص أنفسهم، فجاك ويلش لم يتخرج من أروقة الجامعات، ولكنه خرج بفكره المستنير بنظريات تدرس اليوم في الجامعات، بما يتعلق بمواضيع القيادة، وأبدع بوزان في علم العقل، علما أنه ليس طبيب، وهكذا يؤتي الله الحكمة من يشاء.

لا آبه بالاستنكار على قدر ما اهتم بالنتائج، فما قدمه الدكتور طارق سويدان في موضوع القيادة، لم يقدمه متخصصون في علوم السلوكيات والاجتماعيات والادارة، والأمثلة كثيرة جدا، ولا يمكن حصرها في مقال، لكننا نؤكد من رؤية واضحة، بان أهلية التحدث والاستماع، موكله بعمق العلم وإدراك المعرفة التي تتجسد في حديث من يتحدث، واهتمام من يستمع له.

والناظر اليوم إلى التغيرات المتسارعة في العالم يدرك أن هنالك قوة قادرة على منح الأحقية والأهلية لمن يهتم ويدرس ويركز على موضوع ليخرج بأفضل ما يمكن أن يقدمه للعالم حتى وان لم يكن متخصص في ذلك المجال.

نهاية علينا التركيز على النتائج دائما، ولا نقف عند حدود التخصصات التي لا تؤدي نتائج، فأمثلة كثيرة لرجال عظماء من مهاتير محمد ومحمد يونس وغاندي وغيرهم كثيرون قدموا خدمات للعالم في تخصصات قد لا تتصل مع أصل تخصصهم ولكنهم درسوا تلك العلوم واستطاعوا ان يضيفوا اليها اضافات فائقة التميز.

كن متميزا دوما في الاستماع الى افضل ما يقال بغض النظر عن القائل، ولا أنفي لصاحب الحق حقه، فأهل التخصص هم أولى الناس بالابداع فيه، ولكن إن اتى الابداع من غيرهم فحق أن نأخذه منه، بغض النظر عن تخصصه.

أشرف بن محمد غريب
27 نوفمبر، 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية