تقريبا بهذه الدقة

كثيرا ما نجد أعذارا لتلك المشكلات التي نعاني منها منذ زمن، وربما تعمل خبرتنا المتراكمة على بناء أعذار بالغة الاحترافية، تمنحنا الراحة النفسية التامة، والشعور بالرضا رغم كل ما نقترف من أخطاء بحق أنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا.

فقد قرر الكثير من الناس بأن مشكلة التقدم في المجتمعات العربية مرهونة بيد زمرة من المتنفذين يجلسون على قمة الهرم لا يأبهون لحال من هم موزعون على باقي الهرم، بينما قرر بعض الجالسين في القمة، أن الرعية التي يرعونها غير فاعلة، ويصعب تطوير المجتمع من خلالها، فبات البعض منهم يبرر استقطاب آخرين لتنفيذ المهمات التي عجز أهل الدار عن اتمامها.

وبغض النظر عن دقة هذه الرؤية من عدمها، إلا نها تقريبا بهذه الدقة، فقد أبدع الإنسان منذ القدم في تصوير غير الواقع وتخيل أمور وتفعيلها ليست حقيقة، ومن أعظم ما صوره الإنسان أن لخالقه شريك وبات يعبده، وربما هذا الأمر لا يختلف عليه منطق البشر، إلا أن الجدل كان ولا يزال في هذا الأمر العظيم فكيف بما هو أيسر وأسهل.

أذكر جيدا كل المتحمسين الذي قابلتهم في حياتي والذين عرضوا علي بكل احترام وتقدير المشاركة في أعمال البحث والتطوير والمساهمة في نشر المعرفة والعلم والعمل على تيسير بعض احتياجات التدريب، ولكنهم في كل مرة كانوا يفاجؤونني حتى أصبحت مدركا الأمر.

إن الإنسان الذي يعتقد في نفسه أنه قادر على صناعة أشياء كثيرة ولكن الفرصة لم تسمح له باخراج قدراته الكامنة، غالبا لا يكون لديه شيء حقيقي، وربما يكون كل تلك الافتراضات التي يحكيها عن نفسه خيال وليست واقع، لأن الناجحون لا ينتظرون من يكتشفهم بل يبذلون كل ما بوسعهم حتى يصلوا إلى مبتغاهم، وإن فشلوا كرروا المحاولة من جديد وكأنهم رفعوا علما وكتبوا عليه، أنا ناجح، ثم باتت تتوالى المحاولات حتى يصبح الأمر حقيقة.

وحتى الناجحون يفشلون في مراحل سابقة أو مراحل لاحقة في حياتهم، فالأمر لا يقف عند تحقيق النجاح، وبالتالي يصبح النجاح عادة متكررة لا فشل فيها، وإنما في كل هدف نخضع للفشل والنجاح وربما اكثر من مرة، ولذلك حتى الناجحون الفاعلون المبادرون يفشلون أيضا، لأن النجاح والفشل سنة كونية.

لا يمكن أن نحقق النجاح المطلق، ومن يعتقد أن قوة العلم أو السلطة أو المال أو أي قوة تمنع حدوث الفشل، فهو مخطئ، لأن عوامل النجاح لها قيم، فإن لم يؤخذ بها تحقق الفشل حتى لو كان من كان الساعي للنجاح، قد يفشل.

نحن بحاجة لإدراك قيمة جديدة في حياتنا، أن كل الأمور التي لم نحققها في حياتنا إنما لم نحققها لفشلنا في تحقيقها، ولأننا ربما توقفنا عند الخطوة التي كانت تسبق خطوة النجاح مباشرة أو تسبقها بخطوات أكثر، بغض النظر، المهم أننا توقفنا قبل أن ننجح وهذا يعني اننا فشلنا في تحقيق النجاح، وليس كما نصور لأنفسنا أحيانا، أن الظروف حالت دون تحقيقنا للنجاح.

مثل هذه القيمة في إدراكنا لها، حقيقة تمكنا من تجاوز المشكلات التي تحول دون نهوضنا لتحقيق النجاح، ومثل هذه القيم تساعدنا على رؤية الأحداث بواقعية تساهم في تحقيقنا للنجاح مع احتمال الفشل، إلا أن المعادلة تتغير لصالح النجاح وتصبح غالبا نجاح وأحيانا فشل، بينما كل من تكون معادلته غالبا فشل وأحيانا نجاح، يكون بالتأكيد بحاجة لتعديل هذه القيمة التي أقل ما أقول عنها أنها تقريبا بهذه الدقة.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 28 أبريل 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية