التجديف بمجداف واحد

ليس سراً أن الخبرة تصنع أكثر بكثير مما قد تصنعه المعرفة، وإن كانت الثانية لا يمكن لها أن تستغني عن الأولى، إلا أن الخبرة تتباهى بالإنجازات وتعاير أحيانا كثيرة كل المعارف التي سكنت في عقول أناس لم يستطيعون حتى تقديم يد العون لأنفسهم للخروج من ضائقة مالية مثلا، أو مشكلة عملية أو غيرها.

لكن الحكايات التي تروى في الكثير من الإنجازات التي سطرها ناجحون استطاعوا أن يثبتوا أهمية المعرفة تارة، وأهمية الخبرة تارة أخرى، وأدت معظم تلك الحكايات إلى أن ندرك أن المعرفة والخبرة كلاهما مطلوب لنستطيع تكوين النجاح، بل أن المعرفة تؤدي بالعمل إلى الخبرة، ولا يمكن أن نصنع خبرة واعدة لتحقيق نجاح بدون معرفة، فالعلم أساس يبنى عليه، ولا يمكن أن يستغنى عنه.

إلا أن السؤال الذي دائما ما يجعلنا نتوقف لنفكر فيه، هو لماذا لم يتمكن الكثير ممن لديهم المعرفة من تحقيق نجاحات واقعية، ولماذا استطاع الكثير ممن يفتقدون للمعرفة من تحقيق نجاحات مبهرة، ولماذا؟ بأشكال مختلفة تدور كلها حول فكرة واحدة وهي؟!

هل الأمر متعلق بالمعرفة أم بالخبرة أو بالأشخاص الذين يصنعون الفارق الذي يحول الأفكار إلى مشاريع عمل تمكننا من رؤية نتائج واقعية ربما لا تستطيع المعرفة بناؤها أبدا، مالم يقف خلفها أشخاص يصنعون ذلك الفارق الذي يحول الفكرة إلى مشروع عمل، يتجسد واقعا نراه ونلمسه.

كل الحكايات التي تروى في النجاح، دائما تركز في نهاية المطاف إلى النتيجة، وهي واقع الحال الذي نراه ملموسا، ماديا وليس معنويا، وهذا يجعلنا نقترب من الإجابة على السؤال، الذي ربما يربكنا أحيانا، بالذات إن تعمقنا في التفاصيل أو تداعيات السؤال، لماذا يستطيع الطالب أن يحقق نجاحات عملية ومادية، أحيانا، أكثر من المعلم الذي أفنى كثيرا من الوقت في تعليمه؟ وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

الخبرة تتولد من العمل، والعمل الذي يقوم على أسس علمية، يؤدي غالبا إلى نتائج واقعية ملموسة، وكل تلك المعارف التي تكدست في الكليات الجامعية أو في عقول المتخصصين ولم تعكس نتائج مادية على أرض الواقع، ربما ينقصها معرفة هي التي تأتي من خلال الأشخاص الناجحون الذين يصنعون الفرق يعكسون واقع النتائج المادية.

فلا عيب في المعرفة المجردة ولا عيب في الأشخاص الذي لم يستطيعون تحويل تلك المعرفة إلى نتائج عملية في واقعها إلا إذا كانت المعرفة معزولة عن العمل وبالتالي نصبح وكأننا نسير بقارب ونجدف بمجداف واحد وهذا لا يؤدي مع كل الجهد إلا للدوران في نفس المكان مهما بلغ الجهد قوة، لأن تقدم القارب لن يكون إلا بالتجديف بمجدافين المعرفة والخبرة.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 9 مايو 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية