المثقفون المحترفون في كل المجالات إلا في تخصصاتهم

في جولة سريعة على الصفحة الرئيسية لمتصفح فيسبوك تجد المثقفون العرب محترفون في كل المجالات في السياسة وفي القضايا الاجتماعية والثورية ويمكن أن يقدموا النصح الطبي والتعليمي والاقتصادي والاجتماعي لكنهم يقفون حائرين تجاه تخصصاتهم المهنية والعملية.

صحيح أن تداعيات الأخبار العربية اليوم، تدفعنا للمساس بحال الأمة من قريب أو بعيد، ولكن تناول القضايا السياسية والاجتماعية ولااقتصادية والدينية إنما يشير إلى خلل في المنظومة الفكرية العامة، ولا شك أننا بحاجة إلى اعادة ضبط البوصلة فلماذا تجد المهندس والطبيب والمؤرخ والتاجر كلهم يتبادلون ذات الأخبار السياسية والدينية.

وصل الهرج والمرج في الطرح والعرض إلى ورود بعض القصص أو المقالات في جميع المجموعات ووسائل التواصل الاجتماعي وكان الحالة العامة تقول لك بأن 80% ممن تبادلوا هذه الرسائل لم يدققوا في قرائتها، والأكيد ان رقما كبيرا ممن تبادلها لم يقرؤها أصلا.

الأخلاقيات العامة على وسائل التواصل الاجتماعي تدل على اننا امة واعدة مثقفة متعلمة رائعة، والحقيقة تقول لك عكس ذلك، فمن اذا يزاحم في الطرقات، ومن المسبب للفساد الاداري ومن المقصرين في وظائفهم الحكومية، ومن المكثرين من الاخطاء الطبية، انهم ذات المجتمع الذي يظهر برقيه التام على وسائل التواصل الاجتماعي، تجده يتردى إلى أدنى المستويات في واقع الحياة اليومية.

علينا البدء في تناول القضايا التي تتعلق بتخصصاتنا ومجالات ادراكنا، فلسنا ولن نكون كلنا محللون سياسيون، ومنظرين اقتصاديين، وفقهاء دينيين، فلنعود إلى بيوتنا وأعمالنا سنجد أن هنالك الكثير من الأشياء تحتاج منا العمل على ضبطها، فكثير ممن يتناولون التقصير الوزاري في الدول العربية يعانون هم انفسهم من التقصير في صيانة منازلهم واتمام متطلبات اساسية في الحياة اليومية لها.

المثقفون المحترفون في كل المجالات من الطبيعي ان تجدهم مخفقين في تخصصاتهم، علينا ان نتكلم ونتشارك المعرفة ولكن علينا ايضا ان لا نغفل جانب الاولويات في حياتنا اليومية، فلن نحرر فلسطين من كثرة العبارات التي نتبادلها عن أطفال الحجارة ولا ثورة السكاكين، ولن نرفع الضيم عن اخواننا السوريين والمسلمين في جميع انحاء العالم، بهذه الموجة الهشة، مالم نكثف جهودنا لاتقان اعمالنا، والاخلاص فيها.

هذه ليست دعوة للكف عن التواصل الاجتماعي أو الاعراض عن تناول قضايا الامة الاسلامية، او النصح والتثقيف العام، وانما دعوة للتأكد من ان جميعنا يقوم باعمال وتخصصات تتطلب منا التدقيق والاخلاص فيها والعمل والتعلم فيها والتطوير والتمكين لنرتقي من دول مستهلكة الى دول منتجة مصنعة ومن شعوب متكلمة الى شعوب فاعلة، نحن بحاجة الى التركيز في الكتابة بعمق بتخصصاتنا، والقراءة بعمق في مجالاتها المتطورة والمتقدمة.

كل ذلك لا يعني أن الحراك الفكري والثقافي سيتوقف، فهنالك محللون سياسيون بارعون، وعلماء دين مخلصون، واقتصاديون ومعلمون واطباء ومهندسون، ان قام كل بدوره سنجد انفسنا امام موجة عارمة في التقدم والانتقال من حالة الى حال، وحقيقة نحن في عصر ازدهار حقيقي، لان هنالك كثير من المؤشرات تدل على أن هنالك من يعمل ومن يتغير ويتحول، وبالتالي نحن نتقدم.

حقيقة التقدم الذي نعيشه بغض النظر عن انكارها من قبل البعض الا انها حقيقة واقعية، الا اننا بحاجة لزيادة سرعة وتيرة التقدم لنمضي قدما في السباق العالمي، الذي خرجنا منه منذ قديم، فلو بقينا نتقدم بهذه السرعة، ستزداد الفجوة بيننا كدول متخلفة وبين الدول المتقدمة، بينما من يسارع الخطى يقلل الفجوة، ويقترب من مضمار السباق وربما يتقدم على السابقون اليوم.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 9 أكتوبر 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية