انعكاسات واقعية

يثير الجدل أحيانا، موضوع تأثير البيئة على الثقافة والصناعة والطبيعة المجتمعية للأفراد، يذهب البعض إلى الغلو في هذا الأمر حتى يعتقد أنه لا مجال لتكوين الإبداع في بيئة صحراوية بينما يرى آخرون أن الأمر يؤثر ولكن ليس مبرر، وهذا الأمر يتطلب منا إعادة تفكير وتحليل لنستطيع الوقوف على رؤية ربما تكون إيجابية في تعديل السلوكيات الإنسانية إنطلاقا من تغيير البيئة المحيطة.

مع تقدم الدول اللاحقة للصناعة في العالم مثل الصين وكوريا وسنغافورا إلا أن تصاميم الأجهزة والإبداعات لا تزال تصنع في أمريكا وأروبا، صحيح أن الطبيعة الصينية والسنغافورية خلابة، لكن درجات الحرارة عالية مقارنة بأجواء أوروبا الساحرة، وهذه كلها مقارنات شكلية ربما لا تلمس عمق القضية بشكل واضح.

لاتزال دول أوروبا حتى اليوم تحتفظ بامتياز بحق تصاميم السيارات والآلات حتى أن السيارات الكورية الرائجة الانتشار اليوم، تصمم في أوروبا، ربما نذهب للتاريخ لنرى مقارنة بين الدولة الأندلسية وابداعاتها مقارنة بباقي الفترات والحقب الزمنية لنجدها الأكثر، صحيح ان هنالك عوامل أخرى كثيرة كانت مساعدة منها دعم القيادة للعلم والتعلم، لكننا نركز على انعكاسات البيئة فأسبانيا ساحرة لا مجال.

حتى عند مقارنة إنجازات الدولة العباسية بسابقتها نجد أن دجلة والفرات ألقت بظلالها على التطور العلمي الذي كان ظاهرا في تلك الحقبة الزمنية، وإن عدنا للتاريخ قليلا للوراء، نجد أن كل التقنيات والابداعات الهندسية في بناء الحرم المكي جاءات من الشام وتركيا، نحن لا نقيس في هذا المقال جوانب الإيمان التي محلها القلب والتي لا تعتمد على البيئة الصحراوية أو غيرها لكننا نتكلم عن انعكاسات البيئة الواقعية على تغيير ظروف الحياة وبالتالي تأثيرها على الابداع.

تأمل اليوم بين ابداعات العمارة في المساجد في الدول الاسلامية ستجد أن هنالك روح تصاحب التصميم تبتعد عن التكاليف المالية والقدرات في البناء لتلتصق في بيئة المسجد حيث بني، ولنطرح سؤال مهم، هل انتقال الفرد من بيئة إلى اخرى يؤثر على جودة عطاءه وابداعاته؟، اعتقد أن الأمر كذلك تماما، لأن كثيرا من الشواهد تؤكد ذلك.

سيبقى هنالك كثيرون يؤكدون على ابداعات علماء من المسلمين في الماضي والحاضر، وأنا أؤكد أنهم خرجوا في دائرة بيتهم الضيقة الى دوائر بيئية أوسع انعكست عليهم بظلالها، وهنا نتحدث عن البيئة المحيطة بكل ما فيها من ثقافة وطبيعة وعلم ومعطيات كثيرة مؤثرة بكل تأكيد على المخرجات التي سوف تتفتق عن ذهن المبدع.

طرح فكرة جديدة أو تحتمل مجالا من الجدل لن يكون مرحبا به، ولكنني بت أقدر أكثر من اي وقت مضى أن تغيير البيئة سيؤدي إلى انعكاسات واقعية من شأنها تطوير القدرات الفردية على الابداع والتالق في مجالات الصناعة والثقافة والعلوم والابداع والانتاج، ولا نلغي أهمية جانب التنظيم والقيادة والقيم لدى الأفراد، إلا أن هذه نافذة من نوافذ الاستبصار لرؤية أوسع.

علينا تجربة السفر من بيئة محيطة إلى بيئة خارجية ليس للنزهة والإجازة، وإنما للعمل، وسنلاحظ إنعكاسات واقعية لتطور ملحوظ في جودة ما نقوم به نحن بذواتنا في المكان الآخر، فإن كان للسفر سبع فوائد أو عشرة، فواحدة على الأقل هي التغيير الذي ينعكس بشكل واضح على الأداء الذي نؤديه في أعمالنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية