تحرك بسرعة عالية جداً ولا تتهور

كثيرا ما يعاب على الواثبين نحو النجاح سرعتهم، وتقارن كثيرا بالتسرع، بينما شتان ما بين التسرع والسرعة، لكن الانتقاد المباشر على المسرعين يجعلنا نفكر بأسبابه، أليس من الغريب أن يشار إلى المسرع أنه متساع؟ ما دواعي تلك الجلبة من النقد على المسرعين؟ لماذا ننظر دائما بأن المسرع متسرع؟ هنالك ثمة مشكلة في الأمر علينا البحث عنها وتحليلها ومناقشتها، لندرك إن كان الخلل في المسرعين أم في المنتقدين؟

لن اتكلم عن اهمية السرعة في الحياة في العمل في طاعة الله حتى، لان الأمر أوضح من الحديث عنه، لكنني ساحاور في تحليل أسباب الهجوم على المسرعين، والتركيز على بعض اخفاقاتهم في الوقت الذي لا يعاب على البطيء، ربما هنالك نقاط ربط بين الأمرين علينا فهمها والبحث عنها.

بما أننا آمنا بما أمسينا عليه من حال متأخرة في التعليم والصناعة والتجارة والتطور والطب وجميع مجالات الحياة، في المجتمعات العربية، أصبح من المسلم به أن نتحرك بخطوات بطيئة، لذلك نلاحظ المسرع وكأنه متسرع بينما الخلل في ضعف مشاهدتنا وليس في حقيقة تسرعه، تعتبر هذه وجهة نظر ربما تواجه القبول أو الرفض والانتقاد، لكنها بداية تمكننا من النظر إلى الموضوع برؤية متعمقة نوعا ما.

نحن حتى تخلل البطيء في حياتنا الى درجات قياسية في كل شيء حتى في انتشال انفسنا من المشكلات التي نقع فيها، ونتبادل آياتا وأحاديث في غير موضعها وكأننا نروج للبطيء بتهمة باطلة كتهمة الصبر وشتنان بين الاثنين، فكثيرا ما نسمع في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وندرك أن الله مع الصابرين، ونكرر الصبر مفتاح الفرج، لكننا نتجاهل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أن البطئ مفتاح الفشل، وان الكسل سبب الفشل وشواهد كثيرة أخرى لا نكررها في حياتنا اليومية قولا لكننا نؤكدها عملا وفعلا.

مشكلتنا في البطيء تظهر في قرارات تغيير الوظيفة وقرارات الانتقال من سكن الى اخر وحتى في قرارات شراء السيارة والقائمة تطول ولا تقصر الى ان تصل في بطيء شديد لاتخاذ قرارا فيما ناكل وما نشرب ونلبس وما ننتعل به، وكأننا نخاف من أي حركة سريعة بغض النظر عن حاجتنا للسرعة، أو حاجتنا للتحول من واقع متراجع إلى مستقبل متقدم.

كل الظروف المحيطة بمجتمعاتنا العربية تدفعنا الى مثل هذا الحال ولكننا بحاجة الى تغيير جذري يدفعنا لان نكون في حال افضل تجاه زيادة السرعة في كل شيء، لسنا بحاجة للتسرع ولكن لماذا نعتبر السرعة كذلك، ولا شك في اننا بحاجة الى الصبر والايمان واليقين بالله وجميع عطاياه وهذا لا يتعارض مع السرعة بشيء

خطوة الانطلاق تبدأ من عزيمة وارادة تدفعنا لعمل دؤوب متسارع يساهم في كشف اسرار المجهول وفتح افاق للتعلم تنير لنا الطريق وتنقلنا بسرعة من وضعية الجاهل الى العالم

علينا ان نكون اسرع باتخاذ قراراتنا بتنفيذ مهماتنا بتحليل احوالنا لنصبح في مكان افضل كما نطمح بعيدا عن الاماني قريبا من الاحداث وهذا كله متاح ويتسارع بالسرعة وليس بالتسرع وهذا الامر ليس له علاقة اصلا بموضوع التروي والتريث والتصبر

هنالك فرق كبير بين أن نكون مسرعين نحو ما نسمو إليه صابرين لحسن ظننا بالله، وهذا لا يتعارض، مع كون التسرع يؤدي إلى الإخفاقات والفشل، والكثير من المشكلات التي تفاقم الأمر سوءا بدلا من الخروج من دائرة المشكلة إلى دوائر الحل، فكون المرء يعمل بسرعة منطلقا نحو تغيير ما في جانب من جوانب الحياة، ويعيد ترتيب أولوياته بما يتيح له المجال واسعا لاقتناص الفرص وتحقيق النجاح، هذا لا يخيف بل بالعكس يشعرنا بالأمان لأننا نعمل في اتجاه متزايد بالتقدم، وحتى مع وجود بعض الاخفاقات في هذا المجال فإن السرعة التي نعمل بها تدفعنا لأن نكون يقظين لتجاوز الخلل بسرعة، فنحقق بطريق الألف خطوة، وإن شابه مائة غلطة، نجاحا، خلال شهر، ما لانستطيع تحقيقه بالبطئ في سنة مع نسبية المثال.

أين المشكلة؟ وما الحل؟ المشكلة في كوننا نخلط بين البطئ والصبر، بين الكسل والتأني، وفي الوقت نفسه نهاجم كل من يحاول الإسراع في تحقيق أي تقدم بأنه متسرع، بينما ننسى أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالسرعة حتى في طاعته،

قال تعالى "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَة مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُها السَّمَـاوَاتُ وَالاَْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)" سورة آل عمران

الحل في أن نكون مسرعين مستبصرين إلى المستقبل، مستنيرين بالتعلم، مجتهدين بالعمل، بعيدين عن الخلل الناجم من التخاذل او التسارع، فالسرعة مفتاح نجاح، وتتحقق عندما نترك كل شيء بيدنا الآن وننتقل إلى تحديد أهداف لحياتنا المقبلة، لعامنا المقبل، لشهرنا المقبل، لاسبوعنا المقبل ليومنا المقبل، السرعة تتحقق عندما نترك كل شيء عدا ما نحن بصدده الآن ونركز فيه ونعمل كل جهدنا فيه بسرعة، نجد نتائجا أسرع، وقدرة أوسع للتعديل والتغيير وتحقيق ما نسمو إليه.

كم تضيع أوقاتنا في أحاديث المجالس، كم تضيع أوقاتنا في المكالمات الهاتفية والتواصل عبر قنوات التواصل الاجتماعي، كم أهلكنا الفيسبوك والتويتر واليوتيوب، كم أخذ منا وقتا كبيرا ذلك التلفاز وتلك الميديا، التي بإمكاننا اليوم، وبسرعة أن نستثمرها في تطوير نقاط قوتنا وترميم نقاط ضعفنا لتحقيق ما هو أفضل، لحياتنا وحاضرنا ومستقبلنا، نحن بحاجة لإشعال فتيل السرعة لننطلق الآن

سيكون الصبر مفتاح الفرج عندما نصبر على التعب، ونصبر على الاجتهاد والعمل وتكرار المحاولات والتعلم من الاخطاء، وهذا يتماشى جنبا إلى جنب مع كون السرعة مفتاح النجاح، لتكون خطواتنا متسارعة وليست متسرعة.

قال تعالى في سورة القيامة " لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)" للرسول صلى الله عليه وسلم المجتهد المنطلق نحو تحقيق رسالته في الدعوة إلى سبيل الله سبحانه وتعالى، ومع ذلك سبقت الآيات، آيات تدفعنا للاجتهاد والسرعة والعمل، دون العجلة والخلط والخلل وقال تعالى في سورة القيامة قبل ذلك "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)"

سيقول البعض ما قاله الله تعالى في سورة الذاريات " وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)" وكأنهم يأخذون جزءا ويتركون أجزاء، فمن يرجع لما سبق الآيات من قول الله تعالى يدرك أن ذلك بعد جهد وعمل بغض النظر عن طبيعته وما هيته، قال تعالى " كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)" فمن يعمل ويجتهد ويتعب يحق له أن يتلقى الجوائز من الله والعطايا من الرزاق.

خلاصة القول، لا نجاح بدون تضحية، ولا انتصار يتحقق بدون جهد وعمل، والصبر يبقى مفتاح الفرج، لمن يتصبر على التعب في العمل والاجتهاد في التعلم وليس فرجا أبدا لمن يتواكل على الأقدار ويعبث بالألفاظ ثم يكون جمع ما صنع أنه جالس ينتظر فرجا من الله لا يتوافق مع طبيعة قوانين الحياة، فتذكر أن السرعة مفتاح النجاح.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 26 مارس 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية