أديسون بطيخ

أتابع بين وقت للآخر، بعض المجموعات الخاصة على قنوات التواصل الاجتماعي، بالذات ما يهتم بتطوير الذات، وتنمية المهارات، ولأننا نعيش في عالم متسارع، فإن القدرة على تتبع المعرفة والجديدة منها، أصبح أكثر صعوبة برغم كل قنوات التواصل الجديدة، لأن التعددية تدفع دائما للتضخم الذي ينتج عنه معلومات غير دقيقة، مما يشتت ويلبس، ويحتاج إلى تحليل وتددقيق، ولفت انتباهي تعليقا دون الإشارة إلى صاحبه أو ماهيته، إلا أن مفاد الأمر أن أديسون ذات نفسه بطيخ، وكان يشتري الاختراعات، وليس كما هو معروف عنه، لذلك أحببت أن أراجع دراساتي السابقة لشيخ المخترعين، أديسون - البطيخ على حد تعبير القائل - لعلني أكون مخطئ في دراساتي التي بدأت من قراءة مقالات وكتب ومراجعة وكتابة مقالات في أمر - البطيخ - وأعني هنا مجازا السيد توماس ألفا أديسون، ليس تهكما بأديسون، بل تكريما للبطيخ الذي سيدخل اسمه التاريخ، في مجال تطوير الذات، لأنه التصق - عبثا - باسم شيخ المخترعين أديسون

يصنف البطيخ يا سيدي بأنه رجل أعمال ومخترع أمريكي ولد عام 1847 وتوفى عام 1931 وخلال فترة حياته لعمر 84 عاما، اخترع العديد من الأجهزة التي كان لها أثرا كبيرا على البشرية حول العالم، مثل تطوير جهاز الفونوغراف وآلة التصوير السينمائي بالإضافة إلى المصباح الكهربائي المتوهج العملي الذي يدوم طويلا ً، والعديد من الأجهزة الكهربائية، والمولدات الكهربائية التي توفر للمدن الطاقة الكهربائية لعمل تلك الأجهزة.

ولد إديسون في مدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية، وترعرع بمدينة بورت هورون بولاية ميشيغان وهو من أصول هولندية. اضطر والده إلى الهرب من كندا بسبب مشاركته في ثورة ماكنزي الفاشلة سنة، لذلك كان إديسون الشاب شريد الذهن في كثير من الأحيان بالمدرسة، حيث وصفه أستاذه بأنه "فاسد".

أديسون الذي لم يكمل تعليمه في المدرسة، يقول: "والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف، وشخص لا يمكنني خذلانه." كانت والدته تقوم بتدريسه في المنزل. وأسهمت قراءته لكتب باركر العلمية مدرسة في الفلسفة الطبيعية كثيرا في تعليمه.

بدأ يعمل أديسون بائع للصحف، ثم تطور به الأمر إلى تأسيس مختبر كيميائي في عربة نقل لأحد القطارات، وذات يوم اشتعل المختبر، مما دفع عامل القطار إلى ضربه، وأثر ذلك على سمعه، فقد أصبح لاحقا يعاني كثيرا من مشاكل السمع، يقول أديسون لاحقا، أن عامل القطار ساعده في ركوب القطار بشده من أذنيه، فهو يعزي كثيرا من عبقريته لتلك الحادثة التي مكنته من التركيز على ما يقوم بعمله، دون تشتت.

يعود للبطيخ يا سيدي فضل تأسيس أول مختبر أبحاث صناعية، حيث يعتبر إديسون من أوائل المخترعين الذين قاموا بتطبيق مبدأ الإنتاج الشامل والعمل الجماعي على نطاق واسع لعملية الإختراع، لذا كان يـُعرف بأنه أول من أنشأ مختبرا ً للأبحاث الصناعية.

كما يُعد إديسون رابع أكثر مخترع إنتاجاً في التاريخ، ويمتلك 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه، فضلا عن العديد من براءات الاختراع في وفرنسا وألمانيا - ألا ليتني كنت بطيخاً يا سيدي -.

البطيخ يا سيدي، كان له الفضل في العديد من الاختراعات التي ساهمت في وسائل الاتصال الجماهيري وفي مجال الاتصالات على وجه الخصوص. شملت تلك الاختراعات مسجل الاقتراع الآلي والبطارية الكهربائية للسيارة والطاقة الكهربائية ومسجل الموسيقى والصور المتحركة، فلولا البطيخ لما كنت قادرا على التواصل عبر قنوات التواصل الاجتماعي اليوم.

كان عمله في هذه المجالات المتقدمة ثمرة عمله في وقت مبكر من مسيرته المهنية كمشغل للتلغراف. وضع إديسون نظام توليد القوة الكهربائية وتوزيعها على المنازل والشركات والمصانع مما أدى إلى تطور جوهري في عالم الصناعات الحديثة. تقع محطة توليد الطاقة الأولى التي أنشأها في شارع بيرل في مانهاتن، نيويورك.

حصل إديسون على الحق الحصري لبيع الصحف على الطريق بالتعاون مع أربعة مساعدين حيث أطلق نشرة أسبوعية أسماها (Grand Trunk Herald). انطلق إديسون من هذا العمل إلى العديد من المشاريع الريادية، كما اكتشف مواهبه كرجل أعمال. أدت هذه المواهب في نهاية المطاف إلى إنشاء 14 شركة، بما في ذلك جنرال إلكتريك والتي لا تزال إحدى أكبر الشركات المساهمة العامة في العالم. - وقل عن البطيخ ما تشاء يا سيدي، للعلم فقط فإن مفهوم ريادة الأعمال لم يدخل الوطن العربي الا في العشرة سنوات الأخيرة فقط، وظني أن كثيرا من شبابنا لا يعرف عنه شيء -

في عام 1866 حين كان يبلغ 19 عاما، انتقل إديسون إلى لويفيل بولاية كنتاكي. خلال عمله كموظف في ويسترن يونيون، عمل أيضا بمكتب وكالة الأنباء أسوشيتد برس. طلب إديسون المناوبة الليلية، مما أتاحت له متسعا من الوقت لممارسة إثنين من هواياته المفضلة وهما القراءة والتجريب.

’’أول تسجيل لإديسون Mary Had a Little Lamb’’ جائته رساله بعد ايام من البيت الأبيض تطلب منه مقابلة الرئيس فوراً ليتأبط آلته ويذهب للبيت الأبيض ليجد الرئيس (هايس) وكبار الظيوف بانتظاره وما ان سمعوا الآله المعجزه (المسجله) حتى طار (هايس) لزوجته منتصف الليل لتشاهد هذه الاعجوبه.

بدأ توماس إديسون مسيرته في نيوآرك بولاية نيو جيرسي حيث اخترع المُكَرِّر الآلي وغيره من الأجهزة التلغرافية المتطورة، ولكن الاختراع الذي أكسبه الشهرة لأول مرة كان في سنة 1877 حيث اخترع الفونوغراف. وكان هذا الإنجاز غير متوقع على الإطلاق حتى من قبل عامة الجمهور لاعتباره سحريا. أصبح إديسون يُعرف باسم "ساحر مينلو بارك" في نيو جيرسي.

لم يخترع إديسون أول مصباح كهربائي، ولكنه اخترع أول مصباح متوهج عملي من الناحية التجارية. سبقه العديد من المخترعين في صناعة المصابيح المتوهجة، بما في ذلك هنري وودوارد وماثيو إيفانز. وكان هناك مخترعين آخرين سبق لهم صنع المصابيح الكهربائية المتوهجة لكنها غير عملية تجاريا مثل همفري ديفي وجيمس بومان ليندسي وموسى فارمر ووليام سوير وجوزيف سوان وهينريك غوبل. من بعض عيوب تلك المصابيح أنها قصيرة الأجل للغاية وذات تكلفة إنتاجية عالية وتسحب الكثير من التيار الكهربائي مما يصعب تطبيقها على نطاق تجاري واسع.

في الفترة من 1877 إلى 1878 اخترع إديسون الميكروفون الكربوني المستخدم في جميع الهواتف المقترنة بجهاز الاستقبال بيل (Bell) حتى ثمانينيات القرن العشرين. بعد نزاع قضائي مطول حول براءة الاختراع، حكمت المحكمة الاتحادية في عام 1892 أن إديسون هو مخترع الميكروفون الكربوني وليس إميل برلينر. تم استخدام الميكروفون الكربوني أيضا في البث الإذاعي والأشغال العامة.

حصل إديسون على براءة اختراع نظام توزيع الكهرباء في عام 1880، وهو عامل أساسي للاستفادة من اختراع المصباح الكهربائي. في 17 ديسمبر 1880 أسس إديسون شركة إديسون للإضاءة. أنشأت الشركة في عام 1882 أول محطة طاقة كهربائية مملوكة من قبل مستثمر في بيرل ستريت، نيويورك. وفي يوم 4 سبتمبر 1882 شغّل إديسون محطة توليد الطاقة الكهربائية التي تعمل بنظامه لتوزيع الطاقة الكهربائية في بيرل ستريت والتي وفرت 110 فولت تيار مستمر (DC) لعدد 59 من العملاء في مانهاتن.

أنتج في السنوات الأخيرة من حياته الصور المتحركة الناطقة، فما رأيك في البطيخ يا سيدي؟!!

يُنسب لإديسون تصميم وإنتاج أول منظار متاح تجاريا، وهو الجهاز الذي يستخدم الأشعة السينية لأخذ الصور الشعاعية. لا يزال التصميم الأساسي لمنظار إديسون يستخدم حتى اليوم.

عاش هنري فورد مؤسس شركة فورد لصناعة السيارات في وقت لاحق على بعد بضع مئات من الأقدام عن مأوى إديسون الشتوي في فورت مايرز، فلوريدا. ساهم إديسون في تكنولوجيا صناعة السيارات وجمعتهما الصداقة حتى وفاة إديسون.

كان إديسون رجل أعمال نَشِط حتى سنواته الأخيرة. قبل وفاته ببضعة أشهر فقط افتتح خدمة القطار الكهربائي والسكك الحديدية بين مدن هوبوكين ومونتكلير ودوفر وجلادستون في ولاية نيو جيرسي. وكانت نظم نقل الطاقة الكهربائية لهذه الخدمة باستخدام التيار المستمر الذي دافع عنه إديسون.

كان يستيقظ في الساعة 7:00، ويتناول وجبة الإفطار في الساعة 8:00، ونادرا ما يكون المنزل لتناول طعام الغداء أو العشاء.

يقول أديسون، لا أنام الليل حتى أكتب 40 مهمة عمل لليوم التالي، ثم إذ كان الصباح، أبقيت منها، ملا يستطيع إنجازه إلا أديسون، وأفوض الباقي.

لن أتحدث عن الجوائز التي حصل عليها اديسون في حياته فهي اكثر من أن تذكر ولكن بعد وفاته والى عهد قريب حصل على العديد من الجوائز ففقي عام 2008 أُدرِج ضمن قاعة مشاهير ولاية نيو جيرسي وعام 2010 مُنِح جائزة جرامي للتقنية وعام 2011 سُمِّي كأحد عظماء ولاية فلوريدا من قبل حاكم ومجلس وزراء ولاية فلوريدا.

أحب أن أختتم بكلمات بسيطة من شأنها تغيير نمط التفكير البطيخي التقليدي، إلى نمط البطيخ المبدع، بطيخ أديسون، الذي كان يقوم على التعلم والعمل والمثابرة والاجتهاد، وليس واقفا عند العثرات التي من الطبيعي التعرض إليها في الحياة، فقد مثل أديسون في سيرته العلمية والعملية معا، نموذجا رائعا، وقدوة حسنة، لمن يبحث عن طريق الإنطلاق نحو القمة، وحل اللغز المحير وكشف السر، في كيف تصبح مبدعا، فقال بشكل واضح، يقول الناس عني أنني عبقري وقد كنت أعمل في اليوم 16 ساعة.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 11 مايو 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية