النمل الأخضر

في المجتمعات الحديثة، تتعرض الدول أو بعض قطاعات الأعمال، إلى حالات من النزول والصعود، بحكم المتغيرات التي تطرأ عليها، ويحدث ذلك بسبب التنظيم الذي يبدأ بيسطاً، ثم يتعقد شيئاً فشيئاً ليصبح متشابك ومتداخل ومعقد بطريقة يصعب فهمها، دون تحليل، وتتعرض المجتمعات إلى حالات ركود اقتصادي أو كساد لمجال من مجالات العمل فيها، وربما تتغير الأمور ليكون هنالك طفرة، تتحقق فيها الأرباح المضاعفة في تلك المجتمعات أو الدول.

تعرضت الكثير من الدول إلى أمواج من الصعود والنزول، وتأثرت الأسواق والتجارة والأعمال كلها، بما في ذلك الخدمات الحكومية تأثراً إيجابياً وسلبياً، ولا داعي لذكر العديد من الأحداث التي أثرت على الكثير من الدول العربية والغربية، لأنها حاضرة في ذاكرتنا بتواريخ واضحة من عام 2016-1999ربما تتذكر بعض أحداث هذه السنوات، ولا تذكر البعض الآخر، لكنك على الأقل تتذكر خمسة أحداث بسنوات محددة خلال هذه الفترة، لحالات من الركود الاقتصادي أو الطفرة الاقتصادية حدث لدولة أو مجموعة دول.

كيف يمكن أن نقاوم حالة الركود إن حصلت؟ وما هي الطرق الفعالة للخروج من الأزمة باقل حجم من الخسائر؟ وما أهم العوامل المساعدة للغرق في الأزمة؟ وما أهم العوامل المساعدة للخروج من الأزمة؟ وأسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات واضحة لتجاوز مثل هذه الأزمات أو استثمار الفرص فيها، ولا شك أن كل أزمة من هذه الأزمات تأتي ومعها فرص، لكن المشكلة في أن الفرص لا تكون ظاهرة بحجم ظهور الأزمة، فتخيم أحداث الأزمة ووقائعها على الساحة، حتى تكاد لا تظهر أي فرجة أمل، ولكن القليل هم من يجدون تلك الفرج، ويصنعون منها قوارب نجاة، تنقلهم من واقع جيد إلى آخر مؤلم إلى ثالث أفضل مما كانوا يحلمون به في حالة الواقع الجيد.

أكتب بعنوان النمل الأخضر، وأعني بالنمل طريقته في جمع المخزون الكافي من الطعام خلال الصيف والربيع والخريف، ليتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي في فترات الشتاء، وهذه الأستراتيجية تكون فعالة، لمن يتنبه لإمكانية حدوث مثل تلك الأزمات، وبالتالي يكون مستعداً سلفاً بادخار مالي أو تخطيط أستراتيجي سابق، يغنيه عن الغرق في الأزمة وتمكنه من الانتظار للخروج منها لاحقاً بأقل حجم من الخسائر يمكن أن يقع على عاتقه.

أما الأخضر، فهي كناية عن السنوات السمان التي تأتي على الإنسان فإن أحسن التدبير جمع فيها من الأخضر كل الخير ما يغنيه عن الحاجة في السنوات العجاف التي تأكل الأخضر واليابس، فهي تأكل اليابس الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وتأكل الأخضر الذي جمع في طول السنوات السمان، لذلك أسمي الموضوع، النمل الأخضر، كناية عن الأستراتيجيتين التي تسعف الموقف وتغنيك عن أحداث المشكلات فيه.

من لم يستعد مسبقاً كيف يمكنه أن يتصرف؟ هنالك مشكلة يقع فيها العديد من الناس كونهم لايسعون للتفكير سلفاً بما يمكن أن تأول إليه الأمور، وبالتالي لا يفيقون إلا في حالة حدوث الأزمة، وربما تكون الأزمة غير محسوبة مسبقاً، مثل حدوث كارثة طبيعية، من زلزال أو حريق ضخم، أو حتى حرب نتيجة أحداث سياسية غير ظاهرة، وبالتالي لا يمكن لأفضل الخبراء والمخططين من استدراك الأمر على نحو يغنيهم من الغرق في شلالات المشكلة، فكيف يمكننا أن نتحرك ونغير في هذا الأمر؟.

النمل الأخضر، حاول دائماً أن لا تكون فريسة تداول الأخبار ومتابعة التحاليل السياسية أو الوقوف على مجالس الحديث في أثناء الأزمة، اجعل لنفسك دائماً هدفاً في التفكير والخروج من الأزمة بأفعال لا أقوال تمكنك من تحقيق نتائج ملموسة على أرض الوقائع، وإحداث تغييرات حقيقية، تمكنك من التقدم ولو لخطوة أثناء حدوث مثل هذه الأزمات.

عوداً عند ذي بدئ فالنمل الأخضر حقيقة موجود في الحياة، وهو اليوم أفضل مساعد للمزارعين في التخلص من الآفات لزراعة بساتين المانجا، ويعتبر من الحلول المبتكرة والتي تقلل تكلفة المبيدات الحشرية، وتزيل أضرارها تماماً، حيث يستطيع النمل الأخضر أن يخلص بستاناً كاملا من جميع الآفات التي قد تؤدي الى تلف المحصول وتحوله من محصول غالي الثمن يباع في الأسواق إلى محصول بخس يحال إلى معاصر المانجا، واليوم تبتكر العديد من المراكز البحثية طرقاً علمية للاستفادة القصوى من بناء مستعمرات النمل الأخضر في البساتين للتخلص من الآفات، والتحكم في المستعمرة والقدرة على استخدام وسائل طبيعية لحماية المزارعين من لسعات النمل، حيث ترش المحاصيل بالماء قبل الحصاد، ليتوهم النمل بأن موسم المطر قد حان، ويعود إلى مستعمرته، ليبدأ المزارعين بقطف المحاصيل بسلام.

كيف يمكننا أن نتعلب على أي ركود يواجهنا؟ هنالك دائماً حلول إبداعية ربما لا تكون ظاهرة وأحياناً تكون بظاهرها حلولاً بدائية أو قديمة، لكن النظرة الإبداعية تجعلنا قادرين على الاستفادة من تلك الحلول القديمة وتوضيفها بطريقة عملية تساعدنا على التخلص من مشكلاتنا، نحن بحاجة بين الفترة والأخرى إلى حالات من الركود الاقتصادي تساعدنا على الخروج من المألوف إلى فضاءات الجديد والغير تقليدي، لنعيش حياتنا وفق ما شاء الله لنا أن نعيشها في هذه الدنيا، بقدرات عالية من الإبداع والتغيير والتطور، والبناء والبحث، نحن بحاجة دائماً لتلك الأزمات التي تحركنا بسرعة عالية وبطريقة فاعلة أكثر بكثير من إيقاعنا المنتظم والذي ربما يجعلنا نركد بين طيات إنجازاتنا الماضية.

لن تكون الأمور على خير ما يرام ولن تجد حلولاً إبداعية بسرعة، وستعاني جداً من ذلك الركود، لكنك إيضاً أمام مفترق طرق، إما أن تجتر تلك المعضلة وتتداول حكاياتها نهاراً ومساءاً أو أن تفكر وتعيد النظر مع التجربة والعمل وتكرر البحث مع التعلم لتجد طريقاً جديداً غير تلك الطرق القديمة التي يعاد تكرارها كل مرة للخروج من دائرة الواقع السئ إلى دوائر مستقبلية أكثر سوءاً، فنحن معنيين أكثر من أي وقت مضى للبحث عن حلول تمكنا من الخروج من هذه الأزمة أو تلك.

النمل الأخضر هو وسم، يجعلنا نفكر دائما بإيجاد حلول جديدة لتجاوز أزماتنا، حلول إبداعية للتغلب على مشكلاتنا، للبحث عن شيء جديد، مهام جديدة محاولات غير تقليدية تنقلنا من واقعنا إلى واقع آخر أكثر رخاءاً ونمواً وروعة.


تعليقات

  1. مقال رائع كروعة كاتبه الصديق المتألق الأستاذ أشرف غريب
    الجميل في المقال خلوه من الحشو واختزاله لثلاثية التغيير المعرفة والخبرة والادوات يستحق ان يقرء لمرات و اتمنى ان يأخذ حقه من النشر

    ردحذف
  2. روعة المقال بارك الله فيك.. مبدع وتحفذنا ع الابداع وعدم الاستسلام للركود الاقتصادي
    تحياتي

    ردحذف
  3. روعة المقال بارك الله فيك.. مبدع وتحفذنا ع الابداع وعدم الاستسلام للركود الاقتصادي
    تحياتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية