الإبداع بين الحقيقة والخيال - بل غيتس

كل القصص القديمة تحتاج منا إلى إعادة تحقيق في بنيتها الركيكة، روي لنا أن بل غيتس لم يكمل دراسته الجامعية، صحيح لإنشغاله في مشروعه، شركة مايكروسفت، وفجأة أصبح الرجل عبقري وملياردير، ماذا نقدم لأبناؤنا، تراث من الفشلة يصبحوا عباقرة، ثم نطلب منهم أن يجتهدوا في دراستهم.

الحقيقة عكس ذلك تماما، فلقد تميزت بل غيتش على زملائه في الدراسة في المرحلة الإبتدائية ولاحظ والديه ومعلموه نبوغه وذكاؤه، مما حدا بهما لإلحاقه بمدرسة لايك سايد (Lakeside) الخاصّة والمعروفة ببيئتها الأكاديمية المتميزة، وكان لهذا القرار الأثر البالغ على حياة بيل ومستقبله، ففي هذه المدرسة تعرّف بيل على الحاسوب لأول مرّة.

أصبح بيل شغوفاً بالحاسوب- وكان وقتها طالباً في الصف الثامن- فقد أمضى غالبية وقته في غرفة الحاسوب في المدرسة منشغلاً بكتابة البرامج وتطبيقها لدرجة أنّه أهمل واجباته وتغيّب عن صفوفه الدراسية في بعض الأحيان.

شكل بيل غيتس مع مجموعة زملائه فريق عمل ليبدأ العمل في البرمجة وهم في المرحلة الدراسية مع شركة CCC وبعد أن أغلقت الشركة أبوابها عاد الفريق من جديد ليعمل بشكل خاص لاحدى الشركات وعمل نظام محاسبي لهم بلغة كوبل، وبعدها قرروا تأسيس شركة صغيرة.

بدأت الشركة اعمالها في بناء حاسوب صغير لقياس حركة المرور في الشوارع وحققت ارباحا هائلة، ألتحق بيل بجامعة هارفارد، ولم يكن وقتها قد قررّ بعد نوع الدراسة التي يرغب بها، فالتحق بمدرسة الحقوق التمهيدية كتجربة، لكنّ قلبه كان ما زال معلقاً بالحاسوب؛ فقد كان يقضي الليل ساهراً أمام الحاسوب في مختبرات الجامعة ومن ثمّ يقضي النهار نائماً في الصفوف الدراسية.

في أحد الأيام، بينما كان بول آلن متوجهاً لزيارة صديقه بيل توقف أمام متجر صغير ليطّلع على بعض المجلات، فوقع نظره على مجلة حيث ظهر على غلافها صورة لحاسوب " Altair 8800"، وكتب تحت الملف: " أوّل حاسوب ميكروي مخصّص للأغراض التجارية"، فاشترى بول المجلّة وانطلق مسرعاً لرؤية بيل. خلال أيام اتصل بيل بشركة ميتس الشركة المنتجة للحاسوب " Altair 8800"، وأخبرهم أنّه قد طوّر هو وزميله بول آلن (برنامج مترجم) للحاسوب مكتوباً بلغة البرمجة بيسك "Altair BASIC - interpreter ".

وقد كانت هذه كذبة كبرى!! فلم يكن بيل وآلن قد كتبا سطراً برمجياً واحداً لهذا الحاسوب ولم يشاهداه إلاّ في صور المجلة فقط ولم يمتلكا حتّى معالج إنتل 8080 الذي يعمل عليه، لكنّ الشركة وافقت على مقابلتهما وتجريب النظام الجديد مما دفعهما للبدء بالعمل وبسرعة على كتابة البرنامج. كانت عملية كتابة البرنامج مسؤولية بيل غايتس، بينما بدأ بول آلن العمل على إيجاد طريقة لعمل محاكاة للحاسوب "Altair 8800" على أجهزة حاسوب" PDP-10 " المتوفرة في الحرم الجامعي لتجريب البرنامج عليه. وبعد مرور ثمانية أسابيع من العمل المستمرّ (تقريباً في منتصف شهر فبراير من عام 1975م)، شعر الاثنان أنّ برنامجهما صار جاهزاً، فاستقلّ بول آلن الطائرة متوجهاً إلى شركة ميتس لعرض البرنامج.

في اجتماع عقد في شركة ميتس وبحضور رئيس الشركة إد روبرت (Ed Robert) حمّل بول البرنامج على الحاسوب "Altair 8800"، وبدأت عملية تشغيل البرنامج الحقيقية لأوّل مرّة. ويا للعجب!! فقد عمل البرنامج بكل سلاسة ودون أيّة أخطاء، وجلس بول مدهوشاً من هذا الإنجاز العظيم، واتصل ببيل ليزفّ له البشرى السارّة.

تعاقدت شركة ميتس مباشرة مع كلّ من بيل وبول لشراء حقوق الملكيّة للبرنامج، وعيّن بول آلن نائباً لرئيس قسم البرمجيات في الشركة. وبالمقابل ترك بيل جامعة هارفارد وأنتقل للعمل مع بول في تطوير البرمجيّات؛ فقد أدرك الإثنان أنّ المستقبل يكمن في سوق البرمجيّات وأنّ عليهما أن يتصدّرا هذا الدّرب.

تعاقب هذا النجاح تأسيس شركة مايكروسفت ومشاركتها مع شركة ميتس وبعدها شراكته مع شركة اي بي ام وظهور منافسه ابل بعد ذلك، كل هذه الأحداث المتعاقبة من العمل والإنجاز والتعلم لا يمكنها أن تختزل بقصة عبقري، لم يكمل دراسته في الجامعة، ليصبح أغنى رجل في العالم، وهذا ما أريد تأكيده دائما بأنه لا مجال للخيال في صناعة العبقرية والإبداع حقيقة تتطلب جهد واضح يؤدي الى نتيجة لا تقل وضوحا عن ذلك الجهد.

أشرف بن محـمد غريب 

الرياض 13 أكتوبر 2012

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية