لماذ لن تحقق السعادة في حياتك؟

كثيراً ما أسمع أو أقرأ موضوعات وكتب تناقش موضوع السعادة في الحياة، الغريب بالأمر أن كل ما تسمعه في الحقيقة مفيد جداً لتحقيق السعادة، وهنالك عدد لا منتهي من النصائح والإرشادات التي تقودك إلى تحقيق السعادة، ولكن إلى وقت محدد وبعد ذلك، تشعر بأنك بحاجة إلى جرعة جديدة لتحقق السعادة في حياتك من جديد.

هنالك العديد من الأسئلة والمفاهيم حول موضوع السعادة بالحياة، ولعل من أبرزها ما يطرح بشكل واسع تجاه السعادة من غذاء الروح، وكيف أن المسلمين يشعرون بالسعادة أكثر من غيرهم، لأن دينهم يغذي أرواحهم، لا أريد من أحد ان يتحامل علي إن قلت أن هذه الحقيقة بحد ذاتها حقيقة زائفة، لأن هنالك ملايين من المسلمين ليسوا سعداء، ولا يفكرون بالوصول إلى حد السعادة، لأنهم يبحثون عن أشياء أساسية أكثر وحاجات ملحة أكثر في حياتهم أبسطها، المأكل والمشرب والمسكن، ناهيك عن الالاف الذين لا يملكون هوية تمكنهم من السير بمسارات الحياة بشكل طبيعي، وغيرهم كثيرون يعانون من تمييز عنصري.

أجمل ما في موضوع السعادة أنه مثل موضوع الثراء دائماً ما تجد هالة جميلة من حوله تدفع الجميع للبحث فيه، لكن قليلاً ما نجد نتائج واضحة ملموسة وفي أغلب الأوقات نحن نخرج بمحصلة من المشوشات الغير فاعلة في الموضوع والتي تزيد الأمر تعقيداً ولا تعمل على تحسين حالة التشتت في الأمر.

لماذا لن تحقق السعادة في حياتك؟ ربما يكون سؤال تشاؤمي أو في احسن أحواله سؤال ليس إيجابي، من يتابع كتاباتي يدرك أنني لا أكتب من أجل الترفيه وإنما الامس حقائق بواقعية يرفضها الكثيرون ويؤمن بها البعض وأهم ما في الأمر أنني أرتاح لكتاباتي، فمن سيجد هنالك تناغم في طرحي ربما يكون على شاكلتي وهذا لا يؤشر بأن ما أقوله أصلاً مقنع إلى حد كبير.

لن أسهب في الحديث عن الحياة الإجتماعية التي عشتها وإن كانت زاخرة بعدد وافر من القصص التي تبرر طرحي للسؤال ولكن الأهم من ذلك هو الإجابة على السؤال الذي يسعى كل انسان لإيجاد الإجابة على عكسه، فكل إنسان بحاجة إلى تحقيق السعادة في الحياة ويبحث عن طرق السعادة ولا يهم على أي حال لمعرفة لماذا لن يحقق السعادة، ربما إن كنت وصلت إلى هذا الحد من المقال أن تكون من 1% من الناس الذين انجذبوا لقراءة المقال لأن 99% لن يتابع القراءة من مجرد رؤية العنوان وهذا ما أبحث عنه.

أبحث عن قراء يهتمون بمعرفة الحقيقة بغض النظر إن كانت متناغمة مع ما يأملون أو لا المهم أنهم يبحثون عن المعرفة والتعمق في البحث عن الإجابات لتلك التساؤولات التي يبحثون عنها وإن لم يجدوا شئ يقربهم من ذلك يبحثوا عن أقرب ما يصب في محيط الأمر وهذا ما سيدفعك لقراءة موضوعي وإن كان غريباً أو غير مقبول للوهلة الأولى.

هل السعادة مطلب لجميع الناس؟ الإجابة البديهية نعم والإجابة الحقيقية نعم أيضاً، لا يوجد من لا يريد أن يشعر بالسعادة ويعيش السعادة ويذهب عنه كل الهم والحزن، وهذه نقطة بداية موفقة لأننا كلنا نبحث عن السعادة بغض النظر عن كيف وأين ومتى أو بغض النظر عن المعتقدات والدين وكذلك بغض النظر عن الفكر.

هل نسعى لتحقيق السعادة في حياتنا؟ نعم كلنا نسعى لذلك ولكننا في كثير من الأوقات نخفق في فهم مفهوم السعادة من الأساس لذلك كلما نصل إلى مستوى نجد 
أنفسنا نبتعد عن السعادة شيئاً فشيئاً، دعني أخبرك قصة تحدث مع معظم الناس، فكل إنسان يسعى للتعليم أو العمل بالتوازي أو التتابع وبعد ذلك يبحث عن مال لبناء بيت من زواج وما يلحقه وتجده دائماً ما يأمل السعادة بالتخرج السعادة بالحصول على الوظيفة السعادة بالزواج السعادة بالأولاد السعادة بالسفر تكبر وتصغر المقاييس لكننا نبحث عن السعادة ونسعى لتحقيقها.

لماذا نحن لسنا سعداء؟ إجابات كثيرة يمكن أن تكون نموذجية على هذا السؤال لكن الأهم من ذلك هو إدراك المفهوم الحقيقي للسعادة، دعني أخبرك أمراً هاماً جداً، إن كنت تعمل في وظيفة براتب 10000 دولار وكنت في آخر الشهر قد حصلت على 8000 دولار هل ستكون سعيداً؟، ربما البعض يقول نعم وأجزم أن من قال نعم هو يتمنى أن يحصل على نصف هذا الراتب كأجر شهري، لكن الإجابة الطبيعية للسؤال هي لا، دعني أعكس عليك الموضوع بشكل آخر، لو كان دخلك الشهري هو 200 دولار وحصلت في نهاية الشهر على 500 دولار هل ستشعر بالسعادة؟، الطبيعي أن تقول نعم وجداً لأن حصولك على شيء يفوق توقعاتك هو ما يشعرك بالسعادة.

بيت القصيد هو أننا دائماً لا نشعر بالسعادة لأن سقف توقعاتنا أكبر بكثير من واقع سير الأحداث وهذا ما يحبطنا لذلك لا نشعر بالمتعة في الحصول على أشياء كثيرة في حياتنا ربما نعتبر أنها مسلمة، ونبحث عن الشيء الآخر الذي لم نحصل عليه، لذلك نحن بحاجة لعلاج سقف التوقعات لدينا ومن ثم سنحصل على سعادة كبيرة في جوانب حياتنا.

أتساءل لماذا يشعر المسلمين الجدد بلذة الغذاء الروحي في الإسلام بما لا يشعر به المسلمون أصلاً، لأن المسلمين الجدد يشعرون بشيء يفوق توقعاتهم فهو يشعرهم بالراحة والسعادة بينما الحد الأدنى للمسلمين بطبيعة الحال بما يتعلق بهذا الجانب هو كبير جداً ولذلك سيملون ويشعرون بملل إذا لم يغيروا طبيعة توقعاتهم.

لن نشعر على السعادة في حياتنا لأننا غالباً نرفع سقف توقعاتنا، ونبحث عن الجزء الناقص في كل ما نحصل عليه وكأننا نحاول أن نكون صورة وهمية لن تحدث أبداً لذلك نكون في أغلب الأوقات غير سعداء، وهذا ما يفسر الكثير من الظواهر في حياتنا، فهنالك من يحزن لأنه خسر في تجارته 5 ملايين دولار بينما مجموع ما يمتلكه يمكنه من تأسيس دولة وتحقيق نفقاتها بكل وزاراتها وسكانها، هذا بالنسبة له غير مهم لأنه معتاد عليه وسقف توقعاته ارتفع بالتدريج إلى أن وصل إلى مرحلة أنه يحزن على خسارة 5 ملايين دولار، بينما ستجد من يموت إن خسر منزله البالغ قيمته 50 ألف دولار بجلطة دماغية مفاجئة.

أعرف من ماتت بسبب ارتفاع إيجار البيت ما قيمته 150 دولاراً بالشهر، تأزمت لأنها فكرت بسقف توقعات أن الإيجار سينخفض أو أن هنالك من سيدفعه عنها فلما علمت بالخبر ماتت من الصدمة، والقصص كثيرة وكلها يعبر عن سقف التوقعات الكبيرة جداً التي نقيد أنفسنا بها ثم نتفاجئ لماذا حياتنا تسير بمسار سيء؟!!.

كنت في جلسة مع صديق وسالته سؤالاً هاماً جداً، تخيل لو أننا نعيش بقرية وبمستويات دخل أضعف وحدود أقل مما نعيش فيه في حياتنا الآن، هل سنكون سعداء؟ أجابني ببساطة ستكون مشكلتك الكبرى في كيف تحصل على مبلغ لتستطيع ملئ سيارتك بالوقود، ربما هذه المشكلة لم أفكر بها من قبل لأنها أبسط بكثير من سقف توقعاتي، لكنني أعدت عليه طرحاً من الخيال، وقلت له: لو ذهبنا للقرية لنعيش فيها بكل ما نمتلك الآن، فقال لي: سنكون من علية القوم في القرية. ربما لم نفكر أن نكون من علية القوم في المدينة أصلاً، لكنه انتابني شعور جميل لمجرد التخيل. وشعرت معه بالسعادة.

لن نشعر بالسعادة إذا استمرت حياتنا بالبحث عن الشيء الذي لا نمتلكه وازدادت توقعاتنا وسقوفها بشكل متتابع، لذلك علينا أن نخفض من سقف توقعاتنا لنعيش حياتنا بشكل أجمل، وهذا ما سيحقق لنا سعادة في الحياة، وأنا بذلك لا أدعوا إلى الانهزامية أو الامبالاة أو عدم الاجتهاد في الحياة ولكن أدعو إلى التفكير بطريقة عملية مهنية بتغيير سقف توقعاتنا ليزيد مستوى شعورنا بالسعادة لما نحصل عليه في حياتنا.

أشرف بن محمد غريب
الرياض - السعودية
28 يوليو 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية