هنيئاً لمن أغلى حياته

هنيئا لمن أغلى حياته، فنحن نعيش في هذه الدنيا عدد من السنوات لا يعلمه إلا الله، إن طالت أو قصرت، تبقى حياتنا قصيرة جداً، وهي لا تحتمل أن نضيعها أو نضيع جزءا منها في أمور لا تفيدنا، والحياة جميلة لمن أغلى نفسه، وقدر قيمة الحياة، وعاشها بأقل قدر من المشاحنات والظنون والضغائن، وكان له وافر الحظ والنصيب من الحب، والتعامل الحميم مع الآخرين.

سيظلمك الناس، ويظنون بك، وستتعرض للقهر، وستشعر أحياناً بأنك تستحق إحتراماً أكثر، وتقديراً أوفر، وحباً يتناسب مع فضلك وكرمك، ووداً يتناغم مع عطاؤك، فكل إنسان، يتعرض لذلك، قليل أو كثير، وربما يفتري عليك البعض، أو تظلم بغير وجه حق، وتتعجب لأنك لا تستحق ذلك.

أقرب الناس لك، ستنال منهم نصيباً من الظلم، ونصيباً من الكره، ربما يتباين بين مستويات الحسد أو الغيرة وقد يصل لدرجة الحقد، فماذا عن الصديق والجار والغريب بعد ذلك؟!! هذه الحياة مليئة بالأحداث السيئة، والضغوط التي تتجاوز قدرتك على التحمل، وتتعدى ذلك بكثير.

من المؤلم أن تصارع أصناف العذاب، وتتخطى الصعاب، وتسعى كل يوم بالذهاب والإياب، لتجد أن ما أنجزته رغم عظم شأنه، إلا أنه أقل بكثير من المتعلقات، والمستجدات وما خفي كان أعظم، وتقف بعد ذلك، لتجد حاقد من هنا، وحاسد من هنالك، ومتجهم بعيد ومتعدي قريب، ولا تحاول أن تفهم الأمر بشكل عام، أو تحليله إلى أجزاء لفهم بعض الأمر، لأنك ستفاجئ بحاجات لا يقضيها إلا الله، ستقف على بابك، لتبدأ في قضائها.

الحياة جميلة جداً، والله لم يخلقنا ليعذبنا، حتى وإن قاطعك أقرب الناس لك، أو شخص مدين لك بحياته، أو أساء لك فلان أو قلل من إحترامك علان، أو أخطأ بحقك هذا وذاك، ستبقى الحياة جميلة جداً، والله لم يخلقنا ليعذبنا، فمن أنت مهما كنت، ستقع في دائرة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل بنو آدم خطاء وخير الخطاؤون التوابون" فأنت كذلك تخطئ وتتعدى وتظلم، سواء علمت ذلك أو جهلت، ربما تكون حسن النية إلى الحد الذي يجعلك لا تتوقع أنك قد تكون تسببت لشخص ما في هذه الدنيا بأذى، لكنك قطعاً فعلت ربما بحسن نية.

أغلوا حياتكم وقدروها قيمتها، والله لم يخلقنا لنتفاخر أو نتعالى بعضنا على بعض، فهو سبحانه من علمنا أنه خلقنا من ذكر وأنثى وجعلنا شعوب وقبائل لنتعارف لا لنتفاخر، ونتعالى ونتطاول، والله يعلم أن ذلك التنويع في الخلق قد يدفعنا بنزغ من الشيطان لذلك، فعلمنا الله أن أكرمنا عنده أتقانا، وأكد لنا أنه عليم خبير.

لا ترخصوا ساعات حياتكم بأخذ مواقف، بالذات من أقرب الناس لكم، ومن جيرانكم وأبناء جلدتكم، وحتى جميع المسلمين، وكل البشر أيضاً، لأن هذه الساعات غالية وثمينة وتستحق منك أن تعيشها وتستمتع بها، فالله خلقنا ليرى أينا أحسن عملا، وليس ليرى أينا أحسن من من؟ أو لنتحدى بعضنا بعضاً ونتوعد ونتواعد بأن القدر كفيل بأن يدمر فلان ويقضي على علان، والله حياتنا أقصر من أن نفكر حتى بهذه الطريقة.

تجاوز عن سيئات من أساء لك، وتعلم العفو، ونقي نفسك من كل ضغينة، والله وعد من أعفى خيراً، تغافل عن الناس، وتذكر أن إبراهيم عليه السلام جمع له قومه ليحرقوه، ويوسف عليه السلام، أتهم زورا وبهتانا وسجن، سبحن الله وبقى في السجن سنوات، والله حول حاله من أدنى مستويات الهرم الإجتماعي (سجين) إلى أعلى مستويات الهرم الإجتماعي (وزيرا للمالية)، ما عند الله خير وأبقى.

أصلح نفسك وتغاضى عن الآخرين، وتذكر أنك تخطئ وتصيب فأنت بشر، مثلك مثل الناس الذين تضع بعضهم في قفص الإتهام ثم تبدأ بالجلوس على كرسي القاضي وتصدر الأحكام، ولا تلبث إلا وتلعب دور الجلاد، وكأنك ملاك مسؤول عن القضاء وتنفيذ الأحكام، وبمعزل عن الخطأ وقد تكون لديك من الأخطاء ما هو أكبر وأكثر والله ستر عليك، فاشكر الله على نعمة الستر بالتجاوز عن أخطاء الآخرين، والله وعدك خير، ولئن شكرتم لأزيدنكم.

أفهم جيداً أن أي إنسان لا يتحمل أن يعود من عمله مثقلا بأعباء لا يعلمها إلا الله، ثم يتلقى المفاجئات حول مزيد من الإلتزامات الأسرية والعائلية، وبعد تلقي الصدمة، يكتشف مثلاً أن هنالك ما يجب إصلاحه في البيت أو السيارة، وفوق كل ذلك، يجلس لتصله رسالة باستلام مخالفة أو تذكير موعد سداد فاتورة، يا الله كل ذلك، ثم يتصل عليه صديق ليعاتبه فهو مريض من يومين ولم يزوره، في هذه اللحظة ربما تشعر بأنك تتمنى أن يموت هذا الحبيب، لأن موته وهو مصيبة، أهون من كل ما حل بك.

علينا أن نفهم أن هنالك أسباب كثيرة جدا في ظل الحياة المدنية المعاصرة التي نعيشها، تدفع الكثير من الناس بأن لا يكونوا على سجيتهم، وأن تبدر منهم أقوال وأفعال، والله لا تعبر عن شخصيتهم ولا حبهم ولا ما يكونه في قلوبهم، لكنها تخرج على صعيد الضغط أو الخطأ، ثم يتلقفها الآخر، ليغضب ويبدأ في التفكير التحليلي العميق حول سوء هذا أو ذاك، وستخرج معك نتائج غير تقليدية من السوء، لأن الشيطان يساهم في زيادة الأمر سوءا على السوء الغير متعمد، فتتفاقم المشكلات، وتتزايد المشاحنات، وتتعالى الأصوات وتتبادل الاتهامات وهلم جرا.

سامح الناس وامنحهم حباً أكثر من ذلك الذي تشعر بأنك تفتقده، وتعاون معهم وأعطهم ما دمت قادراً على العطاء، ما دمت قادراً مادياً أعني هنا وليس معنوياً، وأشكر الله على فضله، بأنك لا تزال قادراً مادياً على العطاء، فغيرك لم يعد قادراً لا مادياً ولا معنوياً، وتجاوز وتخطى.

الله كل الناس تشعر بما تشعر به، وتحزن لما تحزن منه، وكل يشعر بحسرة لما ألم به، ويقف البعض مثلك ليرى أن حياته تضيع من بين يديه وهو كالآلة، لم يستشعر بروعتها وجمالها بعد، والبعض يشعر بالإهانة هذا غير الجائع والمتشرد واللاجئ، كل الناس عندها ما عندك أو بعض ما عندك أو أضعاف ما عندك، كل الناس مثلي ومثلك، فلا تعتبر نفسك ملاك، ولا تعتبر غيرك شيطان، وتذكر أنك إنسان ومن تختلف مع مثلك إنسان فتجاوز وسامح وهنئيا لمن أغلى حياته.

أشرف بن محمد غريب
تورنتو 06 نوفمبر 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية