لعنة الفراعنة

بين حكمة لا تضع البيض كله في سلة واحدة وبين تطبيقات وتجارب عديدة نمر بها في حياتنا، نجد أن الحكمة دائما تقودنا إلى المكان الأفضل، ولعل هذه الحكمة لم تقدنا في أي وقت مضى إلى ما هو افضل وأحسن بأي حال، ويعود السبب في ذلك وفق توقعاتي لأمرين واضحين تمام الوضوح وهما: أننا لم نفهم الحكمة جيدا، والثاني أن مجالات تطبيق الحكمة تختلف عن ممارساتنا في تطبيقها.

لا أكتب مقالا حتى أقول أن هذه الحكمة صائبة أو خاطئة ولست في صدد الحديث عن موضوع أصبح لدى الكثير من الناس مسلمات وأعني حكمة لا تضع البيض كله في سلة واحدة، لكنني أكتب حتى أقول أن هنالك مسلمات يجب علينا تغييرها جذريا وهنا نحتاج أصلا لفهم التغيير من واقع ينعكس علينا بنتائج إيجابية، وبالمفهوم العامي، أن نرى نتائج واضحة على أرض الواقع.

التغيير، كلمة زادت الحديث عنها كمصطلح في الثلاثين سنة الماضية، ليس لأننا اكتشفنا التغيير في هذه الحقبة الزمنية، فالقراءات الثقافية السطحية تقول أن التغيير موجود في البشر منذ بدء الخلق، لكننا في الفترة الأخيرة ما بعد 1989 بدأن نتعامل مع التغيير على أنه علم مصنف لذلك بات الحديث عن التغيير مختلف عن ذلك الحديث الطويل القديم الأزلي.

ما هو التغيير؟
التغيير بتعريفه يشبه إلى حد كبير تعريف التخطيط، فالتخطيط هو تحديد الحال الواقع وتحديد الحال المتوقع ومن ثم وضع خطوات للانتقال من الحال الواقع إلى الحال المتوقع، والتغيير هو نفسه التخطيط ويضاف إليه نقطة رابعة وهي التعامل مع مقاومة التغيير.

عندما نعزم على عمل ما ونخطط له، غالبا لن نجد معارضين ولا مقاومين لعملية التخطيط، لأننا في كل الأحوال ندرك أن مرحلة التخطيط تسبق مرحلة التغيير وبالتالي نقول في أنفسنا عندما ننتهي من الخطة ونتأكد من صحة الخطة ونوفر موارد الخطة وننظم عملية تطبيق الخطة سوف نبدأ بعد ذلك بمرحلة التنفيذ، وبالتالي لاحاجة للمقاومة مع التخطيط لأننا ندرك أن الوقت طويل والمسافة كبيرة بين التخطيط والتنفيذ.

لماذا تظهر المشاكل لدينا عندما نبدأ في التغيير؟
لأن التغيير ببساطة من الوهلة الأولى يقول لك أنك ستبدأ فورا بالعمل والتنفيذ، وستنتقل من دائرة الراحة التي تعيش فيها حاليا، إلى دائرة أخرى بغض النظر عما ستكون عليه تلك الدائرة الجديدة، إلا أن هنالك عمل مباشر يتطلب أن نقوم به الآن وهذا بحد ذاته مقلق جدا، لأننا نريد وقتا من الراحة للتفكير والتأمل والتخطيط والتنظير والحديث حول أشياء كثيرة ودراسات عديدة وألف غير ذلك من المبررات التي نحن نسعد بالابحار فيها أكثر بكثير من حبنا للقيام فورا والعمل وتحمل المسؤولية.

تقول الحكمة لا تضع البيض كله في سلة واحدة، وهذا يعني اننا يمكن ان نقوم بعمل مائة شيء وشيء وهذا كله من باب توزيع الجهود لاقتناص الفرص، ظاهريا الأمر صائب، لكن في الواقع نحن نرتكب خطأ فادح في حق أنفسنا، حيث أن البداية في العمل على توزيع الجهود هو فقدان التركيز والتشتت وبالتالي لن نستطيع تحقيق أي فائدة ذات قيمة.

ما الخيار البديل لحكمة لا تضع البيض كله في سلة واحدة؟
الخيار البديل أن تضع البيض كله في سلة واحدة وتعتني به جيدا حتى يفقس، وهذه الحكمة تبدوا غريبة وغير مريحة لانها من الوهلة الاولى تطالبنا بالتركيز والمخاطرة بكل شيء في مكان واحد وهذا يعني تحمل المسؤولية، وعدم التفكير باهمال قيمة كل المتفرقات في سلال متعددة تدفعنا لاحقا للتفكير بطريقة ان أي شيء سوف نخسره لا قيمة له لاننا نضع أشياء كثيرة في سلال كثيرة وباتالي لن نحصد أي نتائج ولن نجنبي شيئا من بلح الشام أو عنب اليمن.

هل فكرت قبل اليوم، أن ترمي بكل شيء تفكر به عرض الحائط وتركز على شيء واحد فقط؟
تبدو مغامرة متهور ان تفعل ذلك وكانك تقول لنفسك إما أن تكون أو لا تكون وبما أنك عادة تفشل وتخسر ولا تكون، فالنتيجة مرعبة جدا، لأن احتمالات عقلك الباطن في تصديق رؤية أن لا تكون أقرب إلى الواقع من تلك التي ستعمل على أن تكون وهذا يعني أنك غالبا لن تكون، هكذا يفكر العقل الباطن الذي اعتاد على ايجاد مبررات كثيرة واختلاق فرص وهمية كثيرة كلها تدور في رحى التشتت واللا تركيز واللامبالاة وعدم وجود قيمة أعلى للأشياء.

نحن بحاجة للتركيز أكثر من أي وقت مضى والتغيير أكثر من أي شيء آخر وتحمل المسؤولية والانتقال من دائرة الراحة إلى دائرة الأمان التي ستمنحنا القوة والمكانة والطريقة المناسبة دائما لنفعل الأشياء بكفاءة وفعالية، وهذا يعني أننا سنقوم باختيار الأشياء الصحيحة أولا ثم العمل عليها بشكل صحيح.

فكر بعمق واسترجع بذاكرتك مجموعة من الأشخاص الناجحين الذين قابلتهم في حياتك، بالتأكيد ستتذكر أنهم لا يمتلكون قدرات خارقة عن تلك التي تمتلكها، وربما فرصهم في الحياة لا أكثر ولا أقل، ولو أدخلنا عنصر التجريد على شخصياتهم، لن نجد أنهم يتميزون بقدرات ذكاء أعلى من غيرهم، أو كانوا يمتلكون لموارد مالية أكثر، لكنهم بالفعل يشتركون بأشياء بسيطة منها التركيز وعدم التشتت وتحمل المسؤولية والقابلية للتغيير والتعلم.

أريد أن أتغير اليوم ولكن؟!
من لا يريد من أن يتغير أو أن يغير طريقة حياته للأفضل، مستوى معيشته، طبيعة عمله، أشياء كثيرة وقوائم نعرف كيف نبدؤها لكنني غالبا لا يمكننا إنهاؤها بحاجات تحتاج للتغيير، ولكن لماذا لا تتغير الأمور كلها معا؟! أو على أقل تقدير لماذا لاتتغير الأشياء بسرعة؟! لن أقول في أن هنالك أشياء نتمنى أن تتغير من عقود ولم تتغير، لماذا؟

لعنة الفراعنة!
أسهل مخرج للإجابة على هذه التساؤولات هو التفكير بأسباب خارجة عن قدراتنا وامكاناتنا مثل لعنة الفراعنة مثلا، شيء لا نعرف له أصل لا نستطيع تغييره نؤمن بأنه سببا في حدوث مشكلاتنا، ونسلم أمرنا له، ربما يفترض البعض أنني أبالغ لأن كثيرا منا سيقول ومن يؤمن بلعنة الفراعنة، لكنني أعرف أن كثيرا من سكان الأرض يؤمنون بالحسد والجن والسحر والقدرات الخارجة عن قوانين الطبيعة، وهذا لا يعني أنني لا أؤمن بكل تلك الأمور لكن الإيمان بها له درجات وعمق يختلف من شخص لآخر وهذا يعتبر أحد أسباب توقفنا عن التغيير وانجذابنا باستمرار للبقاء في المنطقة الحالية وليس الانطلاق الى المنطقة المأمولة.

حلول جوهرية لكنها ليست سريعة
يمكن أن نبدأ التغيير من خلال تغيير ممارسات يومية مثل القراءة والكتابة أو ممارسة هواية أو مهارة، البدء فورا في وضع خطة مدتها ثلاثة أسابيع لقراءة صفحتين من القران الكريم كل يوم أو حفظ بيتين من الشعر يوميا أو عمل اي شيء ضمن سلسلة ممارسات مبرمجة على جدول زمني لفترة لا تقل عن ثلاثة أسابيع حتى نستشعر بأننا بدأنا فعلا بعمل شيء مختلف في حياتنا.

مشكلة المشاكل
أننا نبحث عن الحلول السريعة، حتى أن قراءة مقال مثل هذه نعتبره كلاما كثيرا وعملا شاقا وربما نستغني عنه بمتابعة تغريدات على تويتر أو فيسبوك ونحن نؤمن وندرك ونعلم ونعرف أنها لا تقدم كثيرا ولا تؤخر لكننا نانس بها ونعمل على تبادلها إلى الدرجة التي أصبح فيها البعض يعيدون ارسال الرسالة عشرات المرات قبل التأمل بها والتفكير في تفاصيلها.


لا تضع البيض كله في سلة واحدة، هذه حكمة لا تعمل على الإنجاز ولن تحقق النجاح إلا إذا كنت تمتلك مثلا ثروات تقدر بالملايين سأقول لك وقتها استثمر عشرة ملايين في العقار وعشرة في الصناعة وثلاثة في الزراعة وسبعة في الاستثمارات المالية وهكذا نوع مصادر الدخل أما عندما تكون كل ثروتك بضعة مئات من المال أو بضعة الاف فأكيد سأنصحك أن تجمع البيض كله في سلة واحدة وتعتني به جيدا حتى يفقس.

أكبر مسببات الفشل
من أكبر مسببات الفشل، وضع أهداف كثيرة وأكبر من قدرتنا على تحقيقها ثم نجد أنفسنا عاجزين عن الاستغناء عنها أو تحقيقها والنتيجة أنها لن تتحقق ولكن لن تنتهي المشكلة بعدم تحقق تلك الأهداف بل تبدأ الان لأننا سنكون بذلك علمنا عقولنا الباطنة بأننا فاشلون وغير قادرون على النجاح والتغيير وبالتالي لن نستطيع عمل شيء لاحق وهذا أكبر ما يدمر الذات ويسبب فشلها.

وهم نجاح النجوم
من مسببات الفشل ومثبطات النجاح هي رؤيتنا اليومية لنماذج من النجوم الناجحين بشكل غير اعتيادي، فشخص مثل إكس ناجح في التجارة وهو يمثل في أكثر من مسلسل وفي الوقت نفسه حقق درجة الدكتوراه قبل أيام، وهو هو يقدم برنامج رمضاني توعوي، ومن كثر نجاحه ماشاء الله قام بتأسيس جمعية للشباب ونبدأ نسمع أخبار مثل هؤلاء النجوم ونشاهد ظهورهم في أكثر من مشروع ومكان وشيء ثم نقول لأنفسنا نحن فاشلون والحقيقة أنهم عبارة عن علامات تجارية استخدمتها القنوات الفضائية والشركات لتسوق كثيرا من بضائعها خلالهم والربح المادي هو العمود الفقري لهذه السلسلة التي باتت تشكل خطرا على نفسيات أطفالنا وشبابنا وبتنا نرى نجومية وهمية ونسلم بها وكأنها حقيقة.

من اليسير جدا أن تكون فاشلا ويصنع منك الإعلام نجما خارقا ولولا مخافتي من الله سبحانه وتعالى أن أكون مروجا للغباء لذكرت عشرات الأمثلة التي ذاع سمعها في الأرجاء على وسائط التواصل الإجتماعي وفي القنوات الفضائية وفي الأسواق والدعايات في كل شيء وبالأصل هو نموذج فاشل أو بأحسن تقدير غبي لكن الإعلام صنع منه شيئا عظيما وأصبح الجميع ينظر لهم وكأنهم نماذج نجاح.

سلة البيض هي مقالة لكنها تتناول فكرة واضحة في حاجتنا للتغير وقدرتنا على البدء فورا لكن لا تتوقع نتائج سريعة، كل ما عليك أن تكون سريعا في وضع خطط وقوائم وسلاسل من المهام والأعمال وتقوم بعملها فعلا، تحافظ على تركيزك ولا تشتت نفسك وتنطلق باسم الله وعلى بركة الله وتوقع أفضل النتائج باذن الله لكن أن تبقى رهن حكم بالية أو ممارسات غير مجدية هذا كله لا ينفع ولن يجدي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية