عندما تكون صفاقة الوجيه حكمة

لا يبرر سوء الفعل فاعله، وإن كان من الصواب تنزيه الأنبياء والرسل عن المقارنة أو القياس في هذا المجال، لنبقى في دائرة الناس ومعنى القياس، فالخطأ خطأ بغض النظر من فعله أمير  أو غفير، ويتفق الناس على أن الصفاقة تبقى صفاقة وإن صدرت من وجيه، لكننا اعتدنا تبرير الفعل حسب الفاعل.

ننكر على التلميذ فرضية خطأ المعلم، وتبدأ ممارسات التمويه لنعلم الأبناء فضل المعلم، ونكرر، قم للمعلم وأوفه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا، ونساهم في تعتيم حقيقة أن الأمة بات معظم أبناؤها بلا أهداف ولا طموح ولا إبداع بسبب ركاكة التعليم ولا نلقي اللوم على النظام والحكومة والوزارة قبل أن نؤكد أن هذا المعلم جزء من المنظومة التي تلعب دورا هاما في تخريج أفواج من التلاميذ الضعاف.

في إحدى قاعات التدريس بالجامعة دخل الدكتور  القاعة وتبين له أنه أخطأ وجهته فتلى آية "إنا تشابه البقر علينا" فرد أحد الطلاب قائلا "كذلك كنتم فمن الله عليكم" وهنالك حقيقة أعمق تقول، أن الدكتور الذي يعتبر طلابه بقر، سيعتبره طلابه ثور، وهذه نتيجة طبيعية وردة فعل متوقعة في حديقة الحيوانات.

لسنا بحاجة لتبرير هذا الخطأ كونه صدر عن ملك أو قاله إمام فالحق أحق أن يتبع مهما كان لكننا نعيش في زمان يتسابق فيه الإعلاميين والصحفيين والمثقفين والمتنفذين إلى تبرير صفاقة الصفيق كونه وجيها في قومه وتبدأ روايات التبرير ومحاولات التبريئ متتالية وكأنها رسالة فلا يقبل أحد مني توجيه اللوم على أحد الكبار المعاصرين أو السالفين ولا أنا أستطيع حتى الخوض في هذا.

للكبير احترامه وللوجيه تقديره وللمعلم مكانته وللشيخ هيبته وللجميع حقوق، لكننا أيضا بحاجة لعدم التأليه أو التنزيه فنحن بشر وكلنا يخطئ، فإن كان الصحابة في عهد النبوة أخطأ منهم من أخطأ لماذا نحاول تنزيه المقدسيين أو الأزهريين أو المكيين عن الخطأ، وغيرهم وغيرهم فلا أحد أرفع مكانة من أن يخطئ، ولا يبرر  الخطأ كثرة ما سبقه من الصواب ولا ما يلحقه إلا إن أقر الخطأ خطأ.

من أكبر مشكلاتنا أننا نوهم أنفسنا بمعايير ثم نقيس عليها بجهالة، نفترض أن ما يقوله فلان في الزمان والمكان المقدس لا يمكن أن يكون خطأ! وهذا بحد ذاته أساس الخطأ، فمعايير تقييم الفعل لايمكن أن تكون بتجريد المكان والزمان والفاعل، والمعايير المثلى للتقييم هي ما يبنى على الفعل ونتائجة وأهدافه وحقائقه.

فهل يعقل أن ينطق إمام الحرم في خطبة الجمعة قولا يخالف الحق؟!
ما المانع؟، هذه المعايير، مجردة عن الفعل ونتائجة ومركزة على الفاعل وظروف حاله الزماني والمكاني، فالمعايير أصلا ليست صحيحة، وما ورد ليس إلا مثالا لا أرمي به إلى واقع حال حول الفاعل أو الفعل أو المكان أو الزمان.

نحن بحاجة إلى معايير أفضل للقياس والتقييم ومبادئ أوضح فيكفينا اليوم أن يقال: قال الله  وقال رسوله حتى نرتعد خوفا من النقاش قبل أن نتحقق أن ما قيل أصلا مثبت في السند للقران الكريم أو السنة النبوية، ناهيك عن كون الجهل في تفسير المتن واردا، وليس من غرض للتشكيك في أصول المتون والسند للقران الكريم أو السنة النبوية إلا أنني أسلط الضوء على مثال من أمثلة التعتيم والتظليل التي تمارس علينا اليوم عمدا وجهلا.

التفكر والتفكير أصبح نعت الفلسفة وتتعاظم المعاني والكلمات لتصل حد التعبير عن التفكير أنه زندقة، ولا أيسر من أن يجرم المحاور بجريمة الجدل، وبات الباحث عن الحق داعية للضلال في نظر البعض وكأن ظلاله ترمي إلى الضلالة كونه يفكر ويحاور، وسيجد من المتبرعين لمبارزته في ساحات القتال مدافعين عن الاسلام وحوزته، دفاع المجاهد في سبيل الله، وكفى بهم زيادة الطين بلة بكثرة ما يقال وما يضاف من تحليلاتهم وتفكرهم.

فهم يحرمون عليه تفكره ثم يتربعون للتفكر والتحليل وكأنهم ولاة الله في الأرض وعماله الذين استخلفهم على البشر، حتى نقاشهم لا ينطلق بنبرة المحاور بل بنبرة الملقن فالقران كما فهمه كلام الله أما ما قاله خصمه فهو فهم الشيطان، فهو لا يشكك بالقران كونه المرجع الوحيد للاثبات عنده ولكن التفسير خذ منه حتى لا تنتهي.

يبحث العالم في علوم تخصصه السنوات الطوال ويجتهد ثم يأتي الجاهل وقد تربع في مجلس جهله وتكاد تلمس من كلماته الفسق والفحش والسوء ما تلمس ثم يبدأ بالنعوت والشتائم ليدافع عن الحق بالباطل، وإن حاولت أن تقول شيئا خارج الاطار العام للعرف المعتاد، تقذف بألوان الزندقة وصنوف العمالة، فلولا أنك علماني ما خرجت بهذا القول؟!!

ليس من اليسير أن نقول للأعور أنت أعور في وجهه، وليس من باب الحياء أو الأدب وإنما من الخوف الذي جعلنا نداهن في قول الحقيقة أكثر مما نفكر في حقيقة القول، فنحن كأمة لم نبدع في صناعة شيء كدول العالم إلا في صناعة الدكتاتور، لذلك عندنا فقط تجد ثفافة الوجيه حكمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية