السكوت من ذهب

تقول الحكمة: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، والقصة تحكي الحكاية من البداية بأنه في زمن مضى حكم على ثلاثة بالإعدام وهم عالم دين ومحامي وفيزيائي، وفي لحظة تنفيذ حكم الإعدام، بدؤوا بالشيخ - عالم الدين - ووضعوا رأسه على المقصلة لينفذ به حكم الإعدام وعرضوا عليه أن يقول كلمته الأخيرة، فقال: الله سينجيني. وعندها أنزلوا المقصلة فنزلت حتى أوشكت تلامس رقبته فتوقفت، فتعجب الناس المتجمهرين لحضور حكم الإعدام وبدؤوا بالهتاف: أطلوا سراح الشيح فقد قال الله كلمته ونفذ حكمه وأنقذ حياته، فما كان من الحاكم إلا أن أمر الجنود أن يعفوا عنه ونجا الشيخ. ثم جاء دور المحامي وعرضوا عليه ما عرض سابقا على الشيخ، إن كان يريد قول كلمة أخيرة، فقال: العدالة هي من ستنقذني، وأعطى الحاكم إشارة تنفيذ الحكم، فنزلت المقصة وعندما وصلت إلى رأسه توقفت، فتعجب الناس وصرخوا: بريء أطلقوا سراح المحامي، العدالة قالت كلمتها، ونجا المحامي كما نجا الشيخ وجاء دور الفيزيائي، فلما سألوه عن كلمته الأخيرة، قال: أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول فنظروا للمقصلة و وجدوا فعلا عقدة تمنع المقصلة من النزول، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه. فهتف صوت حكيم يقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب. كثيرا ما نندم على الكلام، ونادرا ما نندم على السكوت، مع أن الناس تظن أن السكوت حالة سلبية والكلام حالة إيجابية، إلا أنهم احتاروا في معرفة أيهما أفضل، السكوت أو الكلام، ففي الوقت الذي تقول فيه الحكمة "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" فإن الموروث الديني يقول "الساكت عن الحق شيطان أخرس" وهنا نفقد التمييز بين أولويات الصمت أو الكلام، وعلى كل حال فإن من كثر كلامه كثرت أخطاؤه. قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: فلا تُكثِرَنَّ القولَ في غير وقتهِ وَأَدْمِنْ على الصمتِ المُزيِّنِ للعقلِ يموتُ الفتى من عثرَةٍ بلسانهِ وَلَيْسَ يموتُ المرءُ من عَثْرَةِ الرِّجْلِ الصمت في كل الأحوال خطأ والكلام في كل الأحوال خطأ والأمر معلق بين تقدير الموقف والحكمة والخبرة والتجربة ولا يمكن أن يقول قائل بأن الصمت أفضل أو الكلام أفضل، وعلينا التحري والتفكير قبل الكلام أو اتخاذ قرار الصمت كاختيار أستراتيجي للتعبير وردة الفعل. وكأن هنالك معادلة عليك تمرير المسألة عليها قبل الحكم بأن تتكلم أو تصمت، وهذه المعادلة تتلخص في سؤالين وهما: - هل الصمت سيؤثر على الحقيقة أو يظلم صاحب حق؟ - هل الكلام سيؤثر على الحقيقة أو يظهر الحق ويزهق الباطل؟ وحسب الإجابات يكون القرار بالصمت أو الكلام، فلا جدوى من الكلام إن كان لا يفيد، وحرام علينا الصمت إن كان سيضر. أشرف غريب فبراير 06/ 2018

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية