دورة إعداد طيار بدون طائرة


يبدوا إعلاناً تسويقياً فاشلاً لدورة لن يقبل عليها أحد، لكن في الواقع تحقق هذه الدورة أعلى معدلات الدخل مقارنة بجميع الدورات التدريبية المهنية والاجتماعية والمتخصصة والشخصية في العالم، هذه الحقيقة، فدورات إعداد المدربين هي دورات إعداد طيارين بدون طائرات، طيار لا يستطيع التحليق ولا حتى بطائرة شراعية، ومع ذلك تجد إقبالاً ورواجا كبيراً جداً.

لا يتوقف الأمر عند دورة إعداد المدربين بل يتجاوزة لدورة إعداد مدير المشاريع المحترف، التي يسجل 60% من الناس فيها وهم لا يعرفون حقيقتها، فالكثير يتوقع أنها دورة إعداد رجال أعمال وتأسيس مشاريع صغيرة وريادة أعمال بينما هي دور متخصصة لتطوير مهارات مدراء المشاريع الذين يعملون في مجال إدارة المشاريع ولديهم الخبرة بذلك ثم يحتاجون تطوير مهاراتهم.

والجميل أنك تجد يومياُ دورات مثل دبلوم إدارة الأعمال المصغرة وماجستير إدارة التسويق المصغر، من المتوق أن تجد غداً دورة إعداد مهندسين محترفين خلال إسبوع وليس بعيداً أن يمنح الخريج من هذه الدورة شهادة بالهندسة، وستجد لاحقاً من يكتب اسمه بتعريف المستشار الدكتور المهندس الطيار!

يفترض أن لايقبل في دورة إعداد تدريب المدربين أي شخص ليس مدرباً أصلاً، وبأقل تقدير أن تكون له خبرة في التدريب يمكن قياسها بمعايير مهنية، ثم يلتحق في هذه الدورة، وحتى لا نعدم الحيلة يفترض أن لا يسجل بهذه الدورة إلا شخص يمتلك مهارة متقنة ولديه الحرفية فيها، ويريد أن يتدرب كيف يدربها للآخرين.

لا أزال أضحك كلما تذكرت المستشار الأسري الذي تواصلت معه، ثم سألته عن شهادته وتخصصه وعلمه وخبرته في الاستشارات الأسرية ثم فجعت بأن عمره 18 عاماً فقط، ولم يتزوج، ولا يعرف عن مجال استشاراته إلا ما تعلمه في دورة إعداد مستشار أسري.

لا ألوم الإدارات المسؤولة عن تنظيم التدريب ولكنني أعجب للجهل الذي وصلنا إليه، لنصدق أن هنالك ما يمكن أن يغير من سلوكياتنا وعاداتنا خلال يوم أو يومين أو أسبوع

من يريد أن يطور من ذاته عليه أن يقرأ و يبحث و يجتهد ويعمل وينهل من مصادر العلوم والمعرفة المتعددة والفائضة والمتنوعة ويحضر دورات، لكننا اليوم نواجه في قطاعات الأعمال للأسف، باحثين عن عمل في سيرهم الذاتية عشرات الشهادات لدورات تطوير الذات، ولما تسالهم كم كتاب قرأت؟ تكون المحصلة النهائية للإجابات التكتيكية، هي صفر.

صفر كتاب قرأت، وصفر ورقة عمل بحثت أعددت، وصفر مجلة محكمة مشترك في قرائتها، وصفر مجموعات وجمعيات علمية متخصصة مشترك بها، ثم تنطلق في رحاب التدريب فقط لأنك حضرت دورة إعداد المدربين، وتكتب المدرب الدولي المعتمد.

أغرب إعلان ترويجي  لمدرب دولي عربي قرأته: درب أكثر من 2 مليون شخص، حاولت الحساب بكل المعادلات والمقاييس حتى أجد مبرراً للرقم ولم أجد، فجزمت أنه خطأ مطبعي، ولما التقيت أحد المسوقين للبرنامج التدريبي أفاد بأن الرقم صحيح وهو منقول عن المستشار الدولي  ذاته، ولما سألته كيف؟ أجاب بكل بساطة، الرجل مشهور ومعروف ومؤلف كتب، هل تتوقع أنه يكذب؟! وكانت إجابتي صادمة. حين قلت: قطعاً لا أشك أنه يكذب، إنه كذاب.

عملية حسابية سريعة لنفهم الأمر
لا تعتبر أي جلسة تدريبية يتجاوز الحضور فيها عدد 45 شخص دورة، يمكن أن نسميها دورة تدريبية، والعملية التي تمارس فيها ممكن أن تسمى أي شيء آخر إلا تدريب، وهذا وفق جمعية التدريب الأمريكية وجمعية المدربين الأستراليين ومؤسسة التدريب البريطانية.

لو افترضنا أن هذا المستشار درب 40 سنة وهذا غير صحيح لأنه يقول أنه درب 2 مليون شخص وهو لم يبلغ الستين ولكن دعنا نسلم جدلاً بأن خبرته في العمل التدريبي 40 سنة، فهو لا يستطيع تدريب 365 يوم في السنة، لأن السنة فيها إجازات وأعياد ورمضان وحج وإجازات نهاية الأسبوع ولكن جدلاً دعنا نسلم بأنه درب 365 يوم في السنة، ويمكن أن يكون درب في اليوم فترتين صباحية ومسائية، كلها افتراضات مبالغة وغير منطقية، لكنني أريد التسليم بذلك.

40×365×2×45 = 1314000

مع كل المبالغات لايمكن أن يصل إلى هذا الرقم بأي حال، علماً بأن أشهر مدرب في العالم العربي هو الدكتور طارق سويدان وقد سمعته يقول أنه درب 65 ألف شخص، وأظن أنه تجاوز اليوم  100,000 ولن يصل إلى تدريب 2 مليون شخص لكنه بلَغَ علمه وخبرته وعمله وتدريبه الملايين.

حدد أهدافك من التدريب أولاً، ثم انطلق نحو بناء مهارة واضحة محددة يمكن قياسها، والاستفادة منها، ولها أثر لاحقاً على حياتك الشخصية أو الاجتماعية أو العملية أو أي مجال من مجالات الحياة التي يهمك تطوير مهاراتك فيها.

تعليقات