بين الأمل والعمل

ربما نقضي أوقاتا طويلة في العمل تبعدنا كثيرا عن الـتأمل في الفرص المتاحة لحياتنا العملية والإجتماعية، وربما نكون غارقين أحيانا في العمل الروتيني اليومي، الأمر الذي يبعدنا كثيرا عن فرص تتيح لنا القفز في الحياة العملية بوثبات واعدة، لأننا لا نمتلك تلك المساحة من الوقت والاسترخاء لنقوم باعادة النظر والتفكير بالأهم قبل المهم.

يسعى البعض للهروب من ضغوط العمل المتراكمة، في قضاء وقت لا يبتعد كثيرا عن كونه روتينا من نوع اخر، فتصبح طرق الترفيه والاستمتاع وقضاء أيام الاجازات متشابهة إلى حد يجعل من وقت الحياة الاجتماعية وقتا يبعدنا عن التأمل في الفرص المتاحة لحياتنا الاجتماعية تماما كما الحال في حياتنا العملية.

ويبقى صنف آخر من الناس يضعون جل تركيزهم في الحياة الشخصية، والتركيز على قضاء معظم وقتهم في منهجة الحياة الشخصية وتدعيم الجانب النفسي والروحي من خلال العبادات وتكريس الوقت للعمل التطوعي الخيري فيصبح هو الآخر غارقا في روتين من نوع مختلف شيئا ما عن النظامين السابقين إلا أنه بلا شك يؤدي إلى ذات النتيجة في عدم القدرة على تلمس فرص الحياة حتى الشخصية منها.

ولذلك فالناس نوعين في طرق تنظيم حياتهم، النوع الأول، وهو الغارق في جانب من جوانب الحياة غرقا يجعله غير قادر على رؤية فرص الحياة في هذا الجانب ويؤثر بشكل مباشر على باقي الجوانب لتصبح روتينية، فهو روتيني نمطي غير قادر على القفز ليتخطى الحالة الواقعية التي يعيش فيها بغض النظر كان غرقه في الجانب الاجتماعي او العملي او الشخصي، لأن الحياة النمطية تصبح سلوكا يتأثر به وينتقل معه إلى باقي الجوانب الحياتية. أما النوع الثاني، فهو نوع غير نمطي يهرب من واقع الحياة النمطية إلى العيش بطريقة غير تقليدية ليس بالضرورة أن تكون لديه ابتكارات خاصة في أي جانب من جوانب الحياة وانما ستجده غير نمطي في جميع الجوانب تماما عكس النوع الأول النمطي في كل الجوانب الحياتية

هنالك نوع ثالث من الناس وهو النوع المتوازن الذي يعيش وفق أهداف وخطط عمل وهو يحقق النجاح في حياته على جميع الجوانب ويستطيع تحقيق شيء مميز في سلسلة الأحداث المتتالية في حياته وهو بالتأكيد النوع المميز. الذي يسعى الجميع أن يكونه أو يعيشه أو يصل إليه بطريق أو آخر، ويذهب الكثير من المفكرين والمنظرين لحث الناس على محاولات الانتقال إلى هذا الجانب المشرق من الحياة.

من خلال قرائتي للعديد من المقالات والكتب في تطوير الذات وبحثي المتواصل عن إيجاد أفضل الطرق للنهوض بالفرد والمجتمع، لفت إنتباهي تكريس العديد من المفكرين والمنطرين الجهد على توجيه الناس نحو الهرب من حياتهم ضمن النمط الأول الذي وصفته مفصلا في بداية مقالي للخروج إلى النمط الثالث، غير متأملين للنوع الثاني من الناس والذي يشكل وزنا حقيقيا في الأفراد في مجتمعنا المعاصر.

وبغض النظر عن الطريقة المثلى للانتقال إلى النوع المميز من الناس المتوازن في جميع جوانب حياته، فإننا بحاجة للتأكد أننا ضمن النمط الأول وليس النمط الثاني، فبين التأمل والعمل هنالك فارق كبير ومسافات طويلة تقربنا أو تبعدنا من تحقيق النجاح في حياتنا، حتى أنني وجدت كثيرا من الناس يعيشون حياة غير عملية، ووقتهم مشتت بين سلوكيات غير ممنهجة ولا منظمة يسعون للنجاح، معتقدين أنهم لا يحتاجون أصلا للعمل أو التوازن من خلال الولوج في دائرة نمطية لجوانب حياتهم حتى وإن كانت لمرحلة تطويرية.

من الصعب جدا الوصول إلى حالة من التوازن الحياتي لجميع الأدوار في الحياة جملة واحدة، فالخلل الذي نعيشه ي حياتنا سنوات ماضية طويلة لا يمكن تجاوزه بلحظة، فنحن بحاجة إلى تنظيم حياتنا الشخصية والاجتماعية والعملية كل منها على حدى والانتقال من المرحلة رقم سبعة مثلا إلى المرحلة رقم ثمانية، حيث أنه من الصعب جدا الانتقال من المرحلة سبعة الى المرحلة عشرة بخطوة واحدة.

إن جميع المجتمعات التي وثبت وقفزت لم تكن حالة تطورها فجأة بل إنها ثابرت وضاعفت الجهد والعمل لتحقيق النجاح، وعملت بوقت قصير على تكريس الجهود لتحقيق النجاح، وهذا يتطلب من الفرد والمجتمع التأمل في فترات متوازية مع العمل، حيث لا يمكننا تحقيق النجاح من العمل المطلق ولا التفكير المطلق، بل إن النجاح مرهون بنتائج مبنية على أسباب، وهذا يعني أننا بحاجة للعمل والعيش وفق نظام حياتي متكامل حتى وإن كان غير فعال بنسبة 100% ولكن مجرد وجوده وفخصه والتاكد من نسبه فعاليته وإن كانت 50% هذا يعني أننا بحاجة للتفكير والعمل للانتقال الى مرحلة ال 55% وهكذا يكون التطوير تدريجيا

وخلاصة القول أننا لا نستطيع النجاح بالتأمل والتفكير بمعزل عن التعلم والعمل ولا بالتعلم والعمل بمعزل عن التأمل والتفكير وهذا يعني أننا بحاجة إلى القيام بالتأمل والعمل بشكل متوازي لتحقيق النجاح، وقبل ذلك نحن بحاجة للتأكد من أننا نعيش حياة نمطية إلى حد ما يقودنا إلى تحويلها من نمط السلوك السلبي إلى نمط السلوك الإيجابي، أما الحياة الغير نمطية بالكلية ستعجلنا أكثر بعدا عن تحقيق النجاح، لأننا بحاجة لبناء عادة الإلتزام والتنظيم أولا ثم التحقق من درجة فعالية النمط والنظام الذي نعيشه وبعد ذلك وضع الأهداف والخطط لقفز إلى درجة ذات فعالية أعلى قليلا وبالتتابع نستطيع تحقيق النجاح الذي نسعى إليه.

أشرف بن محمد غريب
17 مايو، 2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية