جليد على فوهة بركان

تجذبنا التصورات الخيالية لتكوين صور رائعة الجمال، عند تمثيل مفهوم متضاد، وهذا ما يدفعنا دوماً للإبحار في فضاءات الخيال، عندما تعجز الوصوف التقليدية، والتصورات الواقعية، عن تجسيد رؤية مستقبلية أو واقعية، تشعرنا بعجز الكلمات عن التصوير، في الوقت الذي تكون فيه العبارات أقل، والمعاني واضحة، إلا أن التصورات الخيالية، تكون أكثر قابلية للمعظم، كون أن التصورات الواقعية تلاقي كثيراً من الاعتراضات الغير مبررة في غالب الأحيان، لكن هذا هو الواقع.

لن نقبل بأي حال، أن تتكرر تلك الواقعة المؤثرة بإيجابياتها أو سلبياتها، عندما تكون الأسباب متشابهة، مع أن التجارب البشرية تؤكد أن النتائج مرهونة بالأسباب، وفي الغالب فإن الأسباب المتكررة تؤدي إلى ذات النتائج لكننا نرفض القبول بهذا الواقع الحقيقي تجاه، واقع آخر خيالي يعدنا بنتائج مختلفة كوننا نسير بطاقة إيجابية حالمة تدفعنا للإيمان بأن واقعنا الآتي سيكون مختلفاً عن تلك النتائج السابقة لبذل الأسباب ذاتها، وكأننا نحاول خداع أنفسنا، لنقول بأن القليل من الجهد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة ورائعة، فقط لأننا نحلم بذلك ونأمل به.

تقع بعض البراكين في الأجزاء الشمالية من الكرة الأرضية، وهي مساحات جليدية متجمدة، وهذا يعني أن الجليد على فوهة البركان واقع، لكنه من الخارج كذلك، طالما أن البركان كان خامداً، وستتبدل النتائج وتتغير الأحوال عند أو ثورة للبركان، لتجعل من الحمم البركانية، ناراً تذيب كل شيء، ليس الجليد فحسب، ولكن كل شيء حتى الصخور وأي شيء يعترضها، لأن القوانين ستعمل وفق طبيعتها، فتتحول فوهة البركان الجميلة إلى نبع من الحمم البركانية، وهنا يحدث الأمر الطبيعي وتتلاشى كل تلك الصور الخيالية والجميلة في تغيير واقع البركان إلى خيال جبل جليدي جميل.

يعيش الكثير من الناس بواقع تجاربهم المكررة وبذل الأسباب المؤدية بالغالب إلى ذات النتائج المتوقعة، ومع ذلك فهم لا ينظرون إلى مشكلات مؤكدة ستتحقق لاحقاً، حتى وإن كانوا يدركون أنهم يعيشون حالة الجليد على فوهة البركان، لكنهم يستبدلون تلك الوقائع الحقيقية بخيالات تؤكد أن الجليد القاطن على فوهة البركان متجمد ولن يسمح بأي خلل يؤدي إلى كارثة مستقبلية محققة، كونهم يدركون أيضاً، أن البركان خامد، وإن كان بركاناً فهم لا يهتمون كثيراً لأنهم يعرفون أنه خامد من زمن بعيد، وهذا ما يجعلهم يتجاهلون تلك الحالة المستقبلية الواقعة لا محالة عند انفجار البركان، لأن الواقع والماضي يقول بأن المستقبل سيكون على حال واقع اليوم وسيكون واقع اليوم ماضي المستقبل، ولكنهم بلحظة لو فكروا بالأسباب والنتائج سيعرفون أن المستقبل مختلف لذات المنطق، وهو أن الأسباب تكمن في كونهم يعيشون في منطقة خطرة، وهي منطقة الجليد على فوهة بركان.

هل كان يتوقع أي شخص يعيش في لبنان بعد فترة من احتلال فلسطين، أن ذلك الخطر الذي أحاط بأهل فلسطين، قد يتمدد ليحيط بهم؟، على الغالب هم عاشوا في واقع جليد على فوهة بركان، رغم إدراكهم لكل الأحداث المحيطة، لكنهم استبعدوا فكرة تمدد المشكلة إلى ديارهم، فعاشوا بطريقة تتجاهل الواقع، وربما لم يفكروا بالأمر، وهذا لا يعيب طريقة تفكيرهم، فهنالك من كانوا في مصر وسوريا والأردن، وجميعهم كانوا محاطين بذات البركان، وفكروا بذات الطريقة أو لم يفكروا، وبعد فترة ليست بطويلة تكررت الأحداث في لبنان وسوريا ومصر، لكن سرعان ما استتب الأمن وعادت الأمور لتسير بطريقة متناغمة، وكأن خطر البركان زال، ربما! لكن الحقيقة تؤكد أن الخطر لايزال يحيط بهم، وتوقف عند هذا الحد من الرواية لتنتقل إلى مشكلات أخرى حدثت في العالم، مثل مشكلات حروب السودان واليمن أو مشكلات حروب الهند وباكستان، وغيرها في أفغانستان أو البوسنا والهرسك، كل ذلك حدث في السبعين سنة الماضية ومع ذلك تجد الناس يعيشون بإيمان أنهم بأمان فور انخماد ثورة البركان فوراً.

نعيش اليوم في عام 2016 والقصص تتكرر، ومع ذلك لا نزال نؤمن بأننا نعيش بأمان رغم أننا نقيم في منطقة متجمدة مثل جليد على فوهة بركان، وننسى أن ذلك الجليد سينصهر بحمم بركانية فوراً عندما ينفجر ذلك البركان، ولا داعي للتفكير بالأمر طويلاً وتحليله عميقاً لأننا نؤمن بأن ما أصابنا لم يكن ليخطؤنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وهذا جزء من الإيمان بالقضاء والقدر، لكنه يكون إيماناً أجوفاً فارغاً عندما نقول لطفل بأن عدم انتظامه في التعليم المدرسي لن يشكل خطراً على حياته، فربما يصبح تاجراً يمتلك من الشركات ما يتجاوز كل ثروات المتعلمين في بلده، يبدوا أننا فوراً نرفض التفكير في هذا المنطق.

يقول مهندس بأنه كان يدرس مع ثلاثة طلاب آخرين في المدرسة وتخرجوا ودخلوا معاً ليكملوا دراستهم في الجامعة، وبعد سنة فشل أحد الأربعة، وتمكن الثلاثة الآخرون بمن فيهم صاحبنا من اتمام دراسته الجامعية والحصول على درجة البكالوريس في الهندسة، وبعد 17 عاماً يعمل هو وزملائه المهندسين الآخرين في شركة يمتلكها صديقهم الرابع الذي لم يكمل تعليمه، ربما خجل المهندس من قول، أنهم يعملون عند صديقهم الفاشل، وأعني هنا بالفاشل بالدراسة وليس في الواقع العملي لأنه أثبت أنه أكثر نجاحاً منهم، وأؤكد على أن نجاحه في العمل، وليس بالضرورة أن يكون ناجحاً على الصعيد الإجتماعي أو الشخصي، لكن الحقائق تقول بأنهم أكثرهم نجاحاً على الصعيد العملي.

قانون السبب والنتيجة، يفسر الكثير من الظواهر العلمية والاجتماعية، التي أحاطت بنا خلال السنوات الماضية، وهو القانون الذي يحلل العديد من المشكلات التي تعتبر في نظر القانون بأنها نتائج لمسببات واضحة كان من الممكن إدراك أنها ستعكس هذه النتائجة حتى قبل حدوثها، فمن يتأخر في النوم لساعات الفجر، سيكون من الطبيعي أن يتأخر في الاستيقاظ مبكراً للذهاب إلى العمل، لكننا عندما نناقش مشكلة التأخر بالعمل، نعزي ذلك أولاً لأزمة السير وازدحام المرور، أو سوء في البنية التحتية للمدينة، وربما عدم توفر مواقف للسيارات، ولا أعتقد أن من يحضر لموعدة قبل 30 دقيقة، سيعجز عن الحصول على موقف لسيارته، ولكن ما يحدث هو الوصول المتأخر أصلاً لنجد أننا بحاجة فقط لعشرة دقائق تكون على حساب زمن التأخير في الحضور، وفجأة تجد الإجابة على سؤال، لماذا تأخرت؟ هي أزمة المواقف، وماذا عن النوم مبكراً بالأمس؟!!

يشترك جميع الناس المحبطين في تحقيق نتائج سلبية لنزول الوزن، بأنهم لم يقللوا من وجبات الطعام ولم يعالجوا مشكلات السعرات الحرارية، ولم يعدلوا في برامجهم الغذائية أو الامتناع عن تناول بعض المأكولات والمشروبات، وكذلك هم يشتركون بعدم القيام ببرامج رياضية أو صحية حركية تحرق السعرات الزائدة لديهم، ثم تجدهم مشتركين في رواية قصة تتشابه من حيث المعاناة، فهم يتفقون غالباً بأن إرهاق العمل، وصعوبة الوصول إلى النادي بسبب أزمة المواصلات، أو ضغوط الحياة والعمل هي السبب وراء إخفاقاتهم، ولا ألومهم فجميعنا نفكر بنفس الطريقة عندما نجد أنفسنا أمام نتائج لا نحبها ولا نرغب في حدوثها.

أمضيت كثيراً من الوقت، وأنا أفكر في طريقة تدفعني لكتابة مقالات للنشر، تتمحور حول موضوعات في التنمية البشرية، وتطوير الأداء المتميز، لكنني أخفقت كثيراً والسبب أنني كنت دائماً، أعزي الأمر إلى كوني منشغلاً بمشاريع وأهداف أخرى أكثر أهمية، حتى جاء اليوم الذي وجدت نفسي فيه فاشلاً، وأعني ذلك حقيقة، لأنني واجهت نفسي بحقيقة لم تكن تخطر ببالي يوماً، وهي أن امتلاكك لأي مهارة دون العمل بها لا يعني شيء، ومهما كنت متمكناً من قدرات كتابية فائقة الروعة، فهي لا تساوي أي شيء إذا لم أعمل على كتابة مقالاً أو كتاباً، وهنا بدأت التفكير بفكرة الخطوة الواحدة، وهي كتابة مقال اليوم، أو مقال الأسبوع بغض النظر عن النتائج، وكانت النتائج أكثر تميزاً مما كنت أحلم به، فرغم بطء الحركة الذي يعتريني إلا أنني حققت كتابة أول 100 مقال، ولم أكن أخطط لذلك أصلاً.

قانون لعبة الجولف، وهو قانون في التخطيط، يفيد بأننا نستطيع التعامل مع مشكلاتنا، بالتخطيط لاتخاذ قرارات تتعلق بالواقع، وهذا يشبه لعبة الجولف، فلو كنا نلعب على ملعب جولف 18 حفرة، فنحن لا نخطط للحفرة الثانية أو العاشرة أو السابعة عشر، بل نعمل فقط على التخطيط واللعب للحفرة التالية، وهذا يعني أن جميع الحفر في نظرنا غير موجودة، ونحن معنيين للعب على الحفرة الأولى وبعد الانتهاء منها، نبدأ من جديد تطبيق نفس القانون، للحفرة التالية، وهذا ما فعلته تماماً في قرار كتابة المقالات التي أصبحت شبه أسبوعية، ثم أصبحت أسبوعية لأجدها تتجاوز المائة خلال ثلاثة أعوام، وهذا يعني أنني في العام المقبل سأكون أوفر حظاً في كتابة مائة مقال أخرى، وهكذا ستتابع النجاحات لأتوقع كتابة 365 مقال في السنة، وهو أمر يفعله الكثير من كتاب الأعمدة في الصحف اليومية، حول العالم.

لا نحتاج كثيراً من العبقرية للتفكير في كيفية تأخير حدوث إنفجار البركان، لنكون بأمان من الحمم البركانية المتوقع قدومها مع أول ثورة للبركان، ولن نحتاج لترقب الغازات والأدخنة المسبقة لثورة البركان للبحث عن مكان آخر، يكون أكثر أماناً من الجليد على فوهة البركان، ولكننا بحاجة للبحث عن المكان البديل فوراً وقبل أي علامات مبكرة، ستأتي لا محالة، وسيتبعها الانفجار، بالأصل إن كنا نعيش فوق جليد على فوهة بركان، وقبل حدوث علامات مبكرة لثورة البركان، نحن الآن بحاجة للبحث عن مكان بديل يكون آمناً، فلماذا ننتظر تلك العلامات، ونحن نعلم أنها ستأتي وفق قانون السبب والنتيجة؟.

قانون منطقة الراحة، نحن نعيش في منطقة الراحة، وبغض النظر عن كونها تقع على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة، فمنطقة الراحة تعني أننا نعيش براحة ولا نحتاج للبحث والتفكير والترقب والعمل، كون البركان خامداً، فلماذا كل هذه الجلبة؟، ولا داعي للخوف، بالذات إن كان هذا المكان هو مكان الآباء والأجداد، فما المانع من أن نعيش حياتهم بالطريقة القديمة التي تعلمناها منهم والتي كانت ناجحة، والدليل أننا موجودين هنا، لا داعي لكل هذا القلق، الحمد لله لم ينفجر البركان، وحتى ذلك الإنفجار القديم، كان قدراً ومن مات كان مقدراً له الموت، ومن عاش كان مقدر له العيش، هذه الحياة ستمضي بحلوها ومرها.

إن التفكير وفق قانون منطقة الراحة، لا يتنافى مع قانون السبب والنتيجة، فتحركك مائة خطة باتجاه الخطر، هذا السبب يؤدي إلى اقترابك من الأسد، وهذه النتيجة الطبيعية لتلك الأسباب المقدمة، أما إن كنا سنقف في مكاننا على بعد مائتي خطوة من الأسد، فهذا لا يعني أن الخطر قد زال، كوننا نقع في منطقة الراحة، هذا لا يعني أننا نعيش في منطقة الأمان، وتذكر أنك لا تزال على بعد مائتي خطوة من الأسد، أي من الخطر، وكلا القانونين لا يتعارضان مع قانون لعبة الجولف، فأي تحرك ستتحركه سيكون على خطة وتحليل لأقرب نقطة تغيير، وهي مثال الحفرة في لعبة الجولف.

مزيج القوانين يؤدي إلى نتائج تحليلية متعمقة وأكثر روعة، فكل من يعيش في الحياة يدرك أن هنالك منتجاً مختلفاً من مزج مجموعة من المكونات يختلف بطبيعته ووصفة عن كل المكونات الأساسية له، وهذا ينطبق على التفكير بأي قانون، أو مزج القوانين كلها في مفهوم جليد على فوهة بركان، ونحن بحاجة دائماً للبحث عن النتيجة الأفضل لحياتنا، من خلال بذل الأسباب المختلفة.

تذكر دائماً أن تكون في منطقة الراحة هذا لايعني بالضرورة أنك تقع في منطقة الأمان، وأي سبب ستبذله سيؤدي إلى نتيجة، فإن تكررت الأسباب ستتكرر النتائج، وهذا لا يتعارض مع أننا بحاجة للتخطيط والتفكير في الخطوة التالية، كما هو الحال مع لعبة الجولف، هذه المكونات ستصنع لك تصوراً فائق التميز، لتحليل الواقع والاستفادة من دروس الماضي، للوثب مسرعاً في تغيير الأسباب وتوقع نتائج مختلفة في المستقبل، وكون النتائج مختلفة قد يعني أنها أسوأ من النتائج السابقة، لكننا نقع في محيط الأفضل أيضاً، وهذا يختلف تماماً عن الوقوف على الطريقة القديمة، لأن دروس الحياة السابقة علمتنا، أن التغيير يفتح لك مجالاً واسعاً في  كسب 50% وخسارة 50%، بينما النمطية التقليدية ستعكس نتائجاً مكررة، بغض النظر عن مدى جودتها، هي لن تختلف عن السابق.

قد يفترض البعض أن التغيير على كل الأحوال جيد، وهذا أيضاً غير مقبول، لأن هنالك أسباباً معروفة تؤدي إلى نتائج أيضاً معروفة، وهي نتائج متميزة وجيدة ورائعة، فمن يجتهد في سبيل دراسة أو عمل سيحصل على نتائج تتناسب مع ذلك الإجتهاد، وهذا أفضل بكثير من التغيير اللامبالي في كوننا نغير الطريقة لمجرد التغيير فنقع في أخطار محدقة تؤدي إلى نتائج سلبية، فبعض الأشخاص والمجموعات والمؤسسات وحتى بعض الدول، تسعى للتغير المجرد، وهي تقع في مستنقع من الأخطاء، يفوق حالة الركود في كونا ساكنة فوق جليد على فوهة بركان، فربما تعمد إلى تغيير يدفع الركود الآمن نسبياً إلى الإنجراف نحو فوهة البركان والسقوط فيه، وهذا التغيير يؤدي إلى تسارع النتائج إلى نهاية قاتلة.

تحكي القصة الأسطورية القديمة، أن عاملاً في أحد المناجم سقط فكسرت ساقه، فلما ذهب للطبيب، وضع له جبيرة، كانت تشكل ثقلاً مقيداً لقدمه، لضبط الساق على وضع يسمح للعظم أن يجبر، فلما ذهب العامل إلى بيته، ووجد الأمر مرهقاً فكرة بطريقة شنقولية، وحاول تعديل الكسر بسرعة، فضع أخشاباً أكثر على ساقه، ظناً منه أن الخشب، هو ما يجبر الكسر، وهذا أدى إلى مضاعفة الكسر، فتأخر شفاؤه أياماً مضاعفة.

القانون الأخير في رحلة فوق جليد على فوهة بركان، قانون الدرس، نحن نتعلم من دروس الماضي وتجاربه الكثير من العبر التي تفيدنا في الحاضر والمستقبل، وكلما راجعنا تلك النجاحات السابقة والاخفاقات السابقة على صعيدنا الفردي أو المجتمعي، سنجد أننا قادرون على فهم وإدراك دروس تحمينا من تكرار أخطاء الماضي والسعي لبذل أسباب مختلفة في المستقبل تكون متطورة وقابلة لتحقيق نتائج متميزة، وسيجني المتأمل في تجاربه الماضية، وتجارب الحضارات والمجتمعات والأمم الماضية، الكثير من الدروس التي تصنع له مستقبلاً مشرقاً واعداً مؤملناً، يمنح القوة والحكمة.

أشرف بن محمد غريب
02 سبتمبر 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية