رؤى

لكل منا رؤيته وتختلف الرؤى باختلاف مجال الرؤية، وقد تجد من يلخص رؤيته في الأعمال التجارية، أو الأمور الاجتماعية، وربما من يرتقي بحد زعمه حول رؤيته لتكون مركزة على الأشياء الأكثر أهمية، فالعالم الآخر هو المرجع الأخير الذي يتطلب منا العمل تجاهه، ومن كانت رؤيته إلى ذلك العالم كانت حياته آمنة، كما يرى البعض.

لا نستطيع أن نفصل أنفسنا عن الحياة، بكل ما فيها من أولويات وتوافه، بكل ذلك التداخل في الحياة الاجتماعية والشخصية والعملية، بما يضمن غذاء الروح والقلب والعقل والجسد، وما يحقق توازن للحياة بشكل يمنحنا قوة العيش بسلام، وراحة بال، دون الخضوع إلى أي فكرة أو رؤى قد لا تعبر عن حقيقة الأمر، أو عن حياتنا التي نعيشها، وهذا لا يعكس رأياً في نفي أو إثبات إنما يؤكد أننا نعيش ضمن رؤى مختلفة.

كيف تتكون رؤيتنا للحياة؟، بعيدا عن كل مؤثرات البيئة الخارجية المحيطة بنا، إلا ما ينفع بعيدا عن ما يضر، والأمر لا يمكن أن يكون لاننا لا يمكننا العيش معزولين عن العالم الخارجي، سواء كان الخارجي من المنزل أو المدينة أو كان الخارجي من الديانة والمعتقد أو كان الخارجي من العمل وابجديات الاقتصاديات العالمية، نحن البشر كائنات إجتماعية، وسنبقى كذلك وعلينا أن نحافظ على هذا التناغم الذي خلقنا به وسنموت عليه.

تنوع الرؤى يمنحنا قوة وليس ضعفاً، ويساهم لتكوين حقائق وتجاوز أخطاء، فلو كنا نعيش حياتنا وفق رؤية محددة لكنا كباقي المخلوقات، مهما تطورت حياتها تبقى تعيش بدورة حياة محدودة، لأنها سخرت لذلك الهدف، وبنيت رؤيتها ثابتة، بينما فتح للإنسان مجالا واسعا لتغيير رؤيته والتعلم والعمل والتأثر والتأثير بالاخرين، ليكون هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم.

رؤية 2020 هو النموذج الماليزي الذي قدمه رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير بن محمد خلال جدول أعمال خطة التنمية السادسة ماليزيا في عام 1991، وتدعو الرؤية الأمة الماليزية لتحقيق دولة صناعية مكتفية ذاتيا بحلول عام 2020 ، وتشمل هذه الرؤية جميع نواحي الحياة، من الازدهار الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، والاستقرار السياسي و التعليم بالمستوى العالمي، فضلا عن التوازن النفسي والأخلاقي للمواطن الماليزي.

ونحن اليوم على مشارف نهاية عام 2016، نرى أن الرؤية الماليزية تحققت، وخلال السنوات الثلاثون للرؤية، دفعت الكثير من الدول الإنطلاق نحو نهضة أوطانها، وتغيير رؤى مجتمعاتنا، والإنطلاق نحو تغيير واقعي يدفعها قدما لتكون في مصاف الدول المتقدمة، ويبعدها عن حافة الهاوية التي كانت تقف عليها من تخلف إجتماعي وتأخر اقتصادي، وما ينعكس عليه من تراجع في كافة المجالات الصحية والتعليمية والعسكرية والتقنية، وهلم جرا.

بعيدا عن الأهواء الشخصية، والأحكام المبنية على النزاعات السياسية، وآثار القوى الإعلامية في التسويق لفكرة ما أو تمييع فكرة أخرى، فإن تركيا وضعت لها رؤية للوصول إليها عام 2023، وهي تسير في طريقها، فخلال عشر سنوات ماضية، انتقلت من مستويات متأخرة، في مجالات الصناعة والتعليم والاقتصاد والسياسة، حتى أصبحت اليوم ضمن أقوى 20 دولة إقتصاديا في العالم.

في عام 2016 وقبل شهرين فقط، صدر ﻣﺆﺷﺮ ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﺪﻯ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ ﺩﺍﻓﻮﺱ، ليكشف لنا عن الدولة التي تحتل المركز الأول وهي سنغافورة، لم تكن هذه النتيجة من محض الصدفة، فسنغافورة تلك الجزيرة الصغيرة محدودة الموارد التي يقطنها فقراء استطاعت بعد أن أولت اهتمامها بتطوير الموارد البشرية ان ترتقي بنفسها لتصبح ﺩﻭﻟﺔ ﺻﻨﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ متطورة، فقط بعد استقلالها وتحديدا عندما وضع نائب رئيس الوزراء غوه كنغ سوي 1969 رؤية النهوض.

الشركات تتطور والدول تتقدم والمجتمعات تتغير بواقع تأثير رؤى تجعل الأفراد والمجموعات تنطلق لتحقيق تلك الأهداف وإحراز تقدماً ملموساً يوماً بعد يوم، لنرى تلك الدول تتغير وتلك المجتمعات تتقدم، والأفراد أيضاً يتقدمون، بفعل الرؤى التي يضعونها نصب أعينهم وينطلقون لتحقيقها، بتعاون وتعاضد يمنحهم مجالا أوسع للنهوض، والنجاح.

نحن جزءا من عالم كبير، علينا أن ندرك ذلك جيدا، ونتعلم من كل التجارب السابقة، أن من يقف يتراجع، حتى وهو واقف، لأن هنالك قوى متسارعة تنتطلق نحوتحقيق أهدافها ونجاح رؤاها، وكلما أسرعت تلك الدول، والمجتمعات بأفرادها وشركاتها ومؤسساتها، كلما تراجعنا بشكل كبير لأن الفجوة بيننا تزداد، ولا يمكن أن نقول أن تلك الزيادة ستؤول إلى استحالة ادراكها ومعالجتها، لأن الأمر دائما متاح من يبدأ يصل. 

علينا أن نبدأ لكي نصل، فطالما أننا نقف أو نتحرك ببطئ، ستكون الفجوة كبيرة والمسافة طويلة، ونحن نعلم أن أعمارنا قصيرة، فقد تدركنا المنية قبل أن نصل، وقد كان الأمر متاح لنا أن نصل في يوم من الأيام.

أشرف بن محمد غريب
تورنتو- 18 نوفمبر 2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية