نفايات التحفيز

أحيانا لا نرغب في الاستماع إلى الرسائل التحفيزية أو الإيجابية في الأوقات الحرجة من الأزمات التي نمر بها في حياتنا، ولا شك أن مثل هذه الرسالة لها دور كبير في تحفيز الملايين من الناس وتعتبر شرارة الانطلاق في لحظات الإحباط أو التحطيم، ولكن في مراحل من الحياة لا تجدي تلك الرسائل الإيجابية، وتصبح اثارها سلبية أكثر، وتتحول من محفزات إلى مثبطات أكثر، بالنسبة لملايين آخرين من الناس.
 شاهد ملايين من المتابعين العرب برنامج خواطر وتأثر جزءا منهم بالعديد من حلقاته ولكن كثيرون أيضا لم يعجبهم البرنامج وكانوا رافضين لفكرة التحفيز والتثقيف التي جاء بها أحمد الشقيري، فكرة التحفيز والتثقيف التي أبدعها الشقيري في برنامجه أعجبت كثيرا من الناس ولم تعجب آخرين، وهنا يظهر سؤال مهم وهو، لماذا رفض الكثير من الناس فكرة التحفيز؟
 يقول الله سبحانه وتعالى في سورة العصر: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" وهذه دعوة للإيجابية والتحفيز الإيجابي، وفي الآية الخامسة بعد المائة في سورة التوبة يقول الله تعالى "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)" وجاء في سورة هود قوله تعالى "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)" هذه رسائل إيجابية وتحفيزية في القران الكريم، فلماذا نشعر بالاستياء تجاه التحفيز أحيانا.
  المشكلة تتمحور حول حالة المتلقي ساعة العرض، حين تجتهد لتعليم شخص فن الصيد، في الوقت الذي يحاول فيه تعلم مهارة النسيان لعارض ألم به، ستكون مهارة الصيد المهمة جدا والنافعة جدا غير ذات جدوى معه، وبالتالي يحدث نوع من التعارض بين العرض - المميز من وجهة نظر المحفز - والطلب - البسيط جدا من وجهة نظر المتلقي - هنا علينا البحث عن احتياج المتلقي ومعرفة نفسيته واحتياجاته والتركيز على توفيرها او العمل على تحقيقها.
 يفشل الأبوين في امتحان يسير مكرر في التربية مع الأبناء حين يسعون لتلقين الأبناء دروس الحياة في الوقت الذي يكون الأبناء مركزين تفكيرهم في أمور عاطفية أو إنسانية أو اجتماعية، هنا تفشل كل دعوات النصح لأنها تكون بمثابة تعليم الصيد في مرحلة لا يقبل فيها المتلقي سوى تعلم مهارة النسيان أو تجاوز المأساة التي يعيشها، وهذا يتكرر أيضا مع المرشدين والناصحين والدعاة وحتى الحكماء حين تتمحور الرسائل حول الإيجابية في الوقت الذي يعيش المجتمع مشكلات اقتصادية أو مادية أو نفسيه أو توابع سياسية.
 ستكون الرسائل التحفيزية كالنفايات لا يقبلها أحد حين تكون في موضع التنظير المحض والوقت يتطلب حلول إبداعه لمشكلات واقعية، هنا علينا مراجعة كل النصائح والرسائل التحفيزية ونتذكر الرسائل الإيجابية وطريقة سردها في سورة الشرح {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)} [سورة الشرح: 1-8]، فهنا بدأت الرسائل بالتذكير بالحالة الإيجابية التي يعيشها الرسول صلى الله عليه وسلم ثم التوكيد على اليسر من الله مع كل عسر وبعدها إشارة للعمل الذي يمكن فعله لتجاوز المحنة، وكأن السورة جاءت برسالة إيجابية ملخصها أن مع العسر يسرين وهذه الرسالة جاءت بين قوسين الأول بذكر الواقع الإيجابي والقوس الأخير توصيف للعمل الذي يمكننا القيام به لنتمكن من الصبر على العسر حتى يأتي اليسر.
 التحفيز مهم في حياتنا بلا شك ولكننا بحاجة إلى حلول لمشكلاتنا وهنا علينا البحث عن المشكلات والتركيز على إيجاد حلول لها بعيدا عن النظريات والإيجابيات والدروس والقصص والشواهد التي نؤمن بها وبأهميتها ولكننا غير مستعدين لتلقي المزيد منها في وقت الأزمة، فحين تشتد الأزمة لن أكون متهيئا لتلقي النصح ولا تعلم الصيد ولا شيء سوى أن أجد القشة التي يمكنني أن أتعلق بها حتى أخرج من مشكلتي وبعدها يمكن أن أصغي لك أو لغيرك. سيكون التحفيز غير مجدي ومرهق وربما مؤذي إن جاء في وقت الأزمات واللحظة الحرجة دون حلول للمشكلات أو حتى طرق لتحمل المشكلات أو الصبر عليها. صحيح التحفيز مهم ولكنني بحاجة إلى ما هو أولى وأهم، إنني بحاجة إلى حلول عملية لمشكلات الحقيقية التي أعاني منها.
يرتع في العالم العربي أكثر من 10000 مدعي التحفيز والإيجابية، متغيرة وصوفهم بين تطوير الذات والتنمية البشرية والإعلامي والحكيم، منهم من يصنف نفسه بأنه خبير وأخصائي ومعالج ودكتور، ويعيش نفس العالم العربي في مشكلات اقتصادية وصحية وتعليمية واجتماعية ونفسية وسياسية وأخلاقية، نحن بحاجة إلى عرض واضح لمشكلات واقعية مع تفصيل في الحلول الواضحة والعملية، التي يمكن تطبيقها والسير عليها للخروج من تلك المشكلة أو غيرها. لذلك أرى التحفيز اليوم أشبه بالنفايات، رغم أنني كنت أنادي كثيرا بأهميته، إلا أنني أدركت أن الحلول العملية لمشكلاتنا اليومية هو أولى وأهم، فنحن بحاجة لأكثر من  100،000 شخص يعملون بجد لتحديد مشكلاتنا وتوصيفها والبدء في إيجاد حلول عملية لها، وهذا سيعتبر أكبر تحفيز سنحظى به اليوم.

أشرف غريب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية