الفوضى سبب التخلف والتنظيم سر التغييروالحل بيدك

 لا يخفى علينا اتساع الفجوة بين الشرق والغرب، ولدراسة أسباب ذلك علينا أن نبحث في العوامل السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، وكل تلك الأسباب لها تأثيراتها ويلحقها تفاصيل تاريخية وجغرافية، ولكننا بالنظر إلى ثلاثة أسباب يمكننا أن نعتبرها الأهم والأكثر أولوية في تكوين تلك الفجوة عبر الزمن، سنجد أن العوامل السياسية والاجتماعية والشخصية هي الأكثر تأثيرا، حيث تعكس العوامل السياسية أسباب التخلف والتقدم والتهميش الاقتصادي والتعلمي، بينما تعكس الاسباب الاجتماعية انسياق المجتمع نحو الأغلبية الغير مؤهلة وليس أقلية النخبة، وهذا محل حوار ونقاش هام، وأخيرا يأتي السبب الشخصي الذي يعتبر أكبر العوامل تأثيرا.


نعتقد غالبا أن العوامل السياسية هي الأكثر تأثيرا في اتساع هذه الفجوة، كيف لا وقد تسببت تلك العوامل بتهميش اقتصادي انعكس على التعليم ودارت في هذه الدوائر معارك مضنية ولا تزال، فانعزل التعليم عن الاقتصاد في الدول العربية نتيجة ذلك التأثير السياسي، وهذه العزلة أدت إلى انخفاض مستويات التقدم التعليمي، كونه بات غير مؤثرا في المجتمعات بشكل مباشر، وهذا واضح في الزراعة والصناعة والتنقيب وادارة الثروات الوطنية، ولكننا أيضا لا يمكن أن نلقي باللوم على هذا العامل السياسي دون النظر في العوامل الاجتماعية الأكثر تأثيرا.


المستعمر والمحتل والقوي له أدواته في السيطرة على الدول ولكن انعكاس تلك السيطرة على المجتمعات إنما هو من تخلي المجتمعات عن دورها في تحررها من المؤثرات الخارجية، فالمجتمعات الواعية لا تحكم على نفسها من خلال دراسات أعدائها عنها، ولا تقييم القوى المسيطرة عليها، وانما تتحر من كل تلك العقد وتتخذ لنفسها توجها مستقلا يفضي إلى التقييم الذاتي والبناء المحلي وتعمل على تحسين أدائها من خلال اجتهادها، فإن أخفقت مئة مرة ستكون في مأمن من السير خلف قوى مسيطرة ربما تدس السم في العسل، وهذا ما يزيد اتساع الفجوة، وبالنظر إلى تجارب النمور الآسيوية فإننا نجد أن كل تلك الدول قامت بكوادر محلية، حتى وإن تلقت دعما خارجيا إلا أنها انتظمت إلى ثقافتها وأعرافها وقيمت نفسها بنفسها فصارت دولا ذات سمات خاصة، ربما لا تكون الأفضل ولكنها على أقل تقدير احتفظت بكيان الدولة بعيدا عن العولمة التي حولت الكثير من الدول الى دولا مستعملة وليست عاملة ومنتجة.


والحكم على المجتمع أكثر صعوبة من الحكم على العوامل السياسية والشخصية، لأن المجتمع يتمثل بكل فرد فيه، وكل منظمة ومؤسسة وشركة وتاجر وقاضي ووزير وطبيب، وهنا لا يمكن أن نلقي اللوم على مجموعة لا متناهية من التعدديات المتقدمة، بينما نستطيع أن نقييم الفرد على أنه العامل الأكثر تأثيرا والأوجب اهتماما لأنه عامل يمكننا السيطرة عليه والانتفاع من قدراته، فإن صلح الفرد انعكس صلاحه على محيطه وبدأت تتسع دائرة التأثير تماما كاهتزاز الماء المتداعي من تأثير الحجرة حينما نرميها في البركة، وهنا نرى أن فردا مثل مهاتير محمد غير ملامح ماليزيا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصناعية والتجارية والشخصية، وشخص مثل محمد يونس وإن لم يدخل في المجال السياسي إلا أنه أثر في تغيير وضع بنغلادش وكثيرا من الدول المهمشة اقتصاديا، والأمثلة كثيرة، التي تدل على أن الفرد لديه قدرة تأثيرة فائقة، ومتاحة.


إن اتساع الفجوة بين الشرق والغرب يمكن ان يتوقف ويتراجع ويمكن أن يصغر وقد تنقلب الموازين، حين يبدأ كل فرد في المجتمعات بالمحاولة والثقة بأنه قادر على التغيير، هذا التغيير يقود الفرد إلى التأثير في واقع حياته وحياة من حوله وبالتالي يصبح عنصرا مؤثرا، لا يطلب منه أن يكون قائدا سياسيا أو عسكريا أو مخترعا فذا وإنما يوعز إليه اخراج نفسه من الغالبية الغير مؤثرة إلى أقلية النخبة، وهنا نكون برعاية هذا الفرد لنفسه وتأثيره على محيطه لم نخرج واحدا من الضياع وانما عشرات وربما الافا بقوة تأثير ذلك الفرد.


صحيح أن تأثير هرم السلطة على المجتمع قوي وسريع ولكن تأثير قاع الهرم أيضا لا يستهان به، فالتاريخ يؤكد أن التغييرات الكبيرة إنما جاءات من أفرادا كانوا في أدنى مستويات الهرم المجتمعي، وبسعيهم إلى تطوير ذواتهم، تطويرا بسيطا لكنه متواصل وبايمان، يصبح ذلك الفرد قادر على التغيير، اننا نأمل أن تتغير المجتمعات الشرقية ونريدها أن تكون مجتمعات منتجة ومصنعة وفاعلة ولكننا في الوقت نفسه لا نعمل على تغيير سلوكياتنا وعاداتنا، ونحن بأمس الحاجة الى ذلك، فحينما نستبدل التلفاز بالكتاب، والاجتماعات الغير منتجة بحلقات الدرس، وورش العمل واللقاءات الثقافية الفاعلة، وعندما يتحول الترفيه من اضاعة الوقت والانغماس بالمتع والتلذذ بالطعام إلى ترفيه في الانتاج والتعلم والعمل والابتكار والابداع، نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق المؤدي إلى التغيير


نحن نعيش في حالة من الفوضى، فوضى في العمل وفوضى في ادارة الوقت وفوضى في ادارة المهام وفوضى في اختيار التخصص المناسب، والعمل المناسب، وفوضى حتى في اختيار زوجة المستقبل، فوضى في كل شيء، حتى في طريقة قيادة السيارة والكلام، نحن نعيش فوضى حتى في دخول المسجد للصلاة، مع أن الصلاة عبادة حالها كحال العبادات كلها، منظمة وداعية للتنظيم، بكل تفاصيلها، وبغض النظر عن السبب الرئيس في حدوث تلك الفوضى إلا أننا بحاجة إلى التنظيم، بدءا من العزوف عن الانغماس في الاستهلاك المفرط وشراء كل شيء وأي شيء بسبب أو بدون سبب، وتحول تلك المشتريات إلى فوضى في المنزل والمكتب والحياة، وانتهاءا بالعزوف عن الفوضى المالية والاستهلاكية والفوضى حتى في اداء العبادات والحياة.


التنظيم سر التغيير، والبدء من التغيير الشخصي هو الأمل في تجاوز تلك الفوضى التي زادت من فجوة التخلف لدى الشرق، ولا يمكنني أن أتجاوز هذا الأمر لأننا بحاجة إلى تنظيم وتنظيم التنظيم والتنظير في التنظيم والاستفادة من الادوات المتاحة لعلاج الفوضى كأدوات تقنية وفنية وعلمية ومهنية، ورقة واحدة وقلم وخارطة ذهنية متواضعة تضع فيها الأولويات، هنا نستطيع التعويل على المجتمع لأن البناء من القاع متاح في كل وقت، وفرص النجاح فيه كبيرة بعدد أفراد المجتمع، فنحن نملك في مجتمع مكون من 40 مليون شخص ما يقارب 20 مليون فرصة، إذا اسقطنا الأطفال والكهول والمرضى من المجموع الكلي، ستكون لدينا فرص بعدد الشباب في المجتمع، لاحداث تغيير فيه، بينما لو افترضنا أن فرصة التغيير ستأتي من أعلى الهرم المجتمعي، وافترضنا أن عدد النخبة في تلك الطبقة من المجتمع على أكبر تقدير افتراضي وهمي هي 50 ألف، فنحن نقارن بين فرصة 50000:1 مقابل 20000000:1 


ولذلك نخلص بأن أسباب التخلف بين الشرق والغرب تعود إلى كثير من العوامل ولكن أهمها العوامل السياسية والاجتماعية والشخصية، ولو ركزنا على العوامل الشخصية كونها متاحة للجميع في كل وقت، ولم نهتم كثيرا في العوامل السياسية وتأثير القوى المسيطرة على الجوانب الاقتصادية والتعليمية، ولم نهتم أيضا في العوامل الاجتماعية كونها مشتتة بين منظمات المجتمع ومؤسساته وأفراده، سيكون هذا التركيز على الفرد هو تركيزا واعدا نحو التغيير وسيكون هو شيفرة الحل التي يبدأ فك رموزها من بدايتك بتنظيم نفسك وتنظيم عملك وتعلمك وعلاقاتك وأوقاتك وجميع جوانب حياتك، هذا التنظيم الذي سينعكس على أفراد اسرتك ثم مجتمعك بشكل كلي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية