رؤية بين التنظير والتطوير

نجمع في أحاديث المجالس، ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، الكثير من الاراء والمعلومات والأفكار، التي تتجاوز بكثير عمق التحليل في أي قضية كانت في المجتمع، لتعبر عن حالة تأهب قصوى بين أوساط المجتمع للكتابة، وكأننا نعيش حالة من تعويض حرمان، لنجد الصغير والكبير والعالم والمتعلم والمتخصص والمتطفل، كلهم يكتبون ويقرؤون ويحاورون في أمور تهمنا من قريب أو بعيد، لا أعتبرها أبدا أزمة كتابة ولا مشكلة تفاعل، لأنها حالة صحية ومبشرة بخير، فهي بأي حال تعبر عن مستوى ثقافي مجتمعي متقدم.

هذه الموجة ساهمت فيها الكثير من العوامل التي ندركها جيدا، وما يهم ذكره، أن التنظير الذي نعيشه اليوم، ممتلئ بالكثير من الروائع، التي من شأن دراستها وتحليلها أن تجعلنا نتقدم فعليا، إلا أن معدلات التقدم المجتمعية التي نعيشها أقل بكثير من معدلات التنظير التي نمارسها، وهذا يعني أننا مع كل خطوة نخطوها نحو التنظير نبتعد خطوات عن التطوير، لأننا نمضي وقتا طويلا في القول وقليلا في الفعل.

هل يمكن أن ننتقل من حالة التنظير إلى التطوير؟ كيف؟
فعليا نستطيع الانتقال من حالة التنظير إلى حالة التطوير، لأن حالة التنظير هي حالة صحية، وتبشر بخير، فهي تعبر عن تطور ثقافي في المجتمع، وحوار مجتمعي واسع بين العقول، ولكن التقدم البطيء الذي نعيشه في عمليات التطوير يأتي من تركيزنا على اثبات الاراء أو نفي اراء اخرى، وهذا طبعا يستغرق وقتا وجهدا، وهو مطلوب ولكن ليس على الجميع.

لن نستطيع تحقيق تطوير عملي في مجال التعليم مثلا ان كان الجميع يتحدث في المشاكل والحلول، إذا كان الجميع يتحدث ويحاور ويفكر، سؤالي، من سيعمل؟!! نحن نعيش في حالة حوارات تتجاوز حالات الفعل، ننقاش ونسال ونبحث ونحاور في مشكلات التعليم، اكثر بكثير من مبادراتنا في ابداع حلول على الصعيد الشخصي، الأسري والعائلي، كلنا ندرك أن طلبنا أصبحوا أكثر ضعفا في الإملاء، سؤالي، من حاول القيام ببرنامج عملي لتطوير مستوى الإملاء في الأسرة؟

إن مثل هذه المبادرات هي التي تؤثر على الفرد والمجتمع، ولا أشكك في أهمية الحراك الثقافي والحوار المجتمعي، ولكنني أؤكد أننا أصبحنا نمثل حالنا بشكل أو بآخر فأصبحت معظم اجتماعاتنا، سوالف، ولم تعد للمشاريع الصغيرة أو الأعمال المشتركة مكانا بيننا، نحن نستقبل ضيوف ونبادر بزيارات لكننا نادرا، ما نجتمع للعمل، وهذه الفكرة بحد ذاتها كفيلة بأن تقلب الميزان من ترجيح كفة التنظير على كفة التطوير.

لا نتوقف عن التعليم، فالصحة أيضا لا تحتاج إلى إعادة هيكلة وزارات الصحة في مجتمعاتنا بقدر، ما تحتاج من تغيير سلوكيات حياة خاطئة نمارسها كل يوم، وسلوكيات غذاء خاطئة نمارسها كل يوم، ونعلم أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، نكررها ونتبادلها في رسائلنا، لكننا لا نمارسها واقعا، والأدلة ملموسة وواضحة.

علينا الثقة بقدراتنا الفردية والشخصية على التغيير، والبدء في ابداع مشاريع صغيرة لتغيير أنفسنا وتطوير أنفسنا واستثمار أوقاتنا في التطوير، ونعمل دائما على المقارنة بين كفة السواليف في حياتنا وكفة العمل، وهذا ما يعكس لنا مؤشرا واضحا لمسارنا، هل هو في الطريق الذي يؤدي إلى نتائج عملية وسريعة أم لا.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 7 فبراير 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية