من كسر بيضة الديك؟

إجتمعت خمسة دجاجات لتناول كوباً من الشاي وقت العصر، في جلسة جانبية على مطل مزرعة الدجاج، في قرية الحكمة الواقعة على مشارف المدينة، وبدأ حديث المساء حول نظرية الدجاجة والبيضة، أيهما جاء أولاً، كان الجو مفعماً بالحيوية والنشاط قبل أن يتفقدهم الديك، ليلمح حديثاً ذو شجون، ويعبر برأيه أن الدجاج والبيض أصله الديك، في وسط دهشة الدجاجات، كان الأمر غريباً، لأن وجهة نظرهم تقول: أن الديك لا يبيض.

يذهب البعض إلى افتراض أن الفرد هو المكون الأساسي للمجتمع، وأينما تجد أفراداً فاعلين، تجد مجتمعات ناهضة، قادرة على التأثير على صعيد التقدم العلمي والتجاري والاقتصادي والصحي والثقافي، وزد ما تشاء من الأصعدة، بينما يرى آخرون أن المجتمع هو المؤثر الحقيقي على الفرد، وهذا ملاحظ في المجتمعات الناهضة، فأي فرد يولد فيها، يتشكل كترس فعال في تنمية المجتمع لاحقاً.

كلا الفرضيتين مقبولة، ولكل فريق يتبع أي فرضية، عليه أن يستشهد بكثير من الإثباتات، التي تؤكد صدق مزاعمه، ولن يعجز أي من الفريقين عن إثبات ذلك، فعندما نقول أن الفرد أصل المجتمع، فنحن نؤكد على دور الفرد في المبادرة والتأثير، وعندما نقول أن المجتمع أصل الفرد، فنحن نؤكد على دور المجتمع في التأثير على الأفراد، وتغيير مسارات حياتهم لتتماشى مع نمط المجتمع القوي، وهذا سينعكس على جودة حياة الأفراد.

إن طرحنا سؤالاً هاماً حول أيهما السبب وأيهما النتيجة، هل الأفراد هم أسباب لنتيجة مجتمع فاعل؟، أم أن المجتمع الفاعل هو السبب لنتيجة أفراد فاعلين؟. سنمضي وقتاً طويلاً في حوار ربما يصبح جدلي، لأننا ندرك أن الفرد يؤثر على المجتمع، والمجتمع يؤثر على الفرد، وهنالك شواهد عديدة تؤكد صحة الفرضيتين، أعني فرضية أن المجتمع هو الأساس لنشأت أفراد فاعلين، أو فرضية أن الأفراد الفاعلين هم أساس بناء مجتمع ناهض.

عوداً إلى الجدل البيزنطي في أيهما الأساس البيضة أم الدجاجة، وهل أولاً جاءت البيضة ثم أوجدت الدجاجة، أم أن العكس هو الصحيح، بمعنى أنه جاءت أولاً الدجاجة، ثم باضت البيض، وبدأت دورة حياة الدجاج، وبغض النظر عن قناعاتي الشخصية، في كون أن الدجاجة هي التي كانت أولاً ثم جاء البيض وبدأت داورة حياة الدجاج، سنستنتج أن النتيجة لا تفيد كثيراً، وبمجرد أن تفقد البيضة، ستفقد الدجاجة، والعكس صحيح أيضاً، فإن فقدنا الدجاجة، فقدنا البيضة.

في نظرة واقعية للمجتمعات الغربية، ندرك أن هنالك تأثير قوي للمجتمع على الفرد، يؤدي إلى إتاحة وفرة من الفرص، لنشأة أفراد متعلمين مثقفين فاعلين، يولدون في مجتمعات مهيّأة بكل ما يحتاجه الفرد ليكون قادراً على خدمة مجتمعه لاحقاً، ونفس العين الناظرة لتلك الحالة، يمكن أن تنظر للمجتمعات العربية على أنها مجتمعات، لا تتوفر فيها عوامل الرعاية التي تكفل نشأة أفراد أقوياء فاعلين في مجتمعاتهم.

دعنا نفكر بطريقة مختلفة، ونقسم المجتمع إلى ثلاثة فئات من زاوية التأثير، يمكننا أن نقول أن المجتمع يتكون من:

  1. أفراد مؤثرين: وهم الأشخاص المسؤولين في المجتمع، والذين يتمتعون بقدرات تأثير، مثل متخذي القرار، وأصحاب القوة بغض النظر عن ما هيتها، سواء كانت قوة اقتصادية أو علمية أو سلطوية.
  2. أفراد حالمين: ليس لهم في الأمر ناقة ولا بعير، يمكن أن يحلمون بالتغيير أو التأثير لكنهم لا يفعلون شيئاً.
  3. أفراد مبادرين: لديهم شغف لبناء ذواتهم، أو التأثير في مجتمعاتهم، ويتمتعون بحماس مفعم، ويقدمون مبادرات على أرض الواقع.


إنطلاقاً من هذا التصنيف، يمكننا التفكير بنوعين من الأفراد، النوع الأول، وهم المؤثرون، يمكنهم النظر إلى المجتمع بأنه حاضنة تكوين أفراد أقوياء، ويبدأ عملهم من التفكير في التغيير في المجتمع ليكون مهيئاً لرعاية الأفراد، أما الصنف الثاني وهو المبادرون الطموحين لبناء ذواتهم، فيمكنهم أن البداية من ذواتهم، فهم ينظرون إلى الأمر بأن الفرد هو الأساس، وبهذه النظرة يمكنهم أن يشكلوا تغييراً حقيقيا على ذواتهم أولاً ثم تأثيراً على من حولهم.

تذهب معظم حواراتنا المجتمعية، حول الأمور العائلية والأسرية والشخصية، بينما تترك هذه الحوارات والاجتماعات فراغاً كبيراً في واقعنا العربي، حول تداول مشكلات واقعية لها أثر كبير على واقعنا، ولا أعرف لماذا تحتل السياسة والفن والرياضة الجزء الأكبر من الحوارات؟، بينما تهمش مواضيع مثل التربية والعلاقات والإبداع والتطوير والتغيير والنجاح والعمل والتعلم!، وحتى إن تم تداول بعض الحوارات حول العمل، تكون حوارات ناقدة تناقش السلبيات، ولا تتطلع إلى الرؤى المستقبلية.

أفترض دائماً في الاجتماعات الاجتماعية، ثلاثة فرضيات يمكن أن نسقط عليها جميع حواراتنا وهي:

  • الدجاجة تبيض بيضاً
  • البيض يفقس صيصاناً تصبح دجاجاً مع الوقت
  • الديك لا يبيض

وأبدأ في تحليل أي موضوع لأضعه ضمن واحدة من هذه التصنيفات، والغريب أن الفرضيات الثلاثة، لن تؤثر في واقع الفرد أو المجتمع، ناهيك عن كونها لا تؤثر في مشكلاتنا اليومية.

يعتبرني البعض صاحب فلسفة، طبعاً فلسفة بالمفهوم السلبي وليس المنطق الإيجابي لعلم الفلسفة، ولا أنسى ذلك الشخص الذي قال لي يوماً: لو قرأت لك آية، أو ناقشت تفسيرها في هذه الجلسة، أبرك من كلامك كله، وهو يعني أكثر فائدة ونفع وخير من حديثي، وربما تقول أنت ذلك الآن، ومع أني لم أعلق على كلامه في الجلسة، إلا أنني أؤمن بأن لكل مقام مقال، وأعترف بأني أخطأت في حديثي هذا، في جلسة أكثر ما يهم أفرادها الحديث عن السياسة وتحليل أوضاع التحركات العالمية على وضع الأمة الإسلامية، في الوقت الذي لا يذهب تأثيرهم بعيداً عن كونهم، يتحاورون بمنطق، الجمهور المشجع لفريقين في مباراة، ويتناول كل جمهور تعزيز دور فريقه في أنه الأفضل.

الحياة ليست مبارات، وإن كانت المنافسة تشكل جزءاً هاماً فيها، واللعب دور من أدوار الحياة الهامة، وتحقيق الانتصار على صعيد تأكيد قوة فصيل وفضله عن الآخر أمر يشعر بالفخر والاعتزاز، إلا أن الحياة ملئى بالمشكلات التي تتطلب منا النقاش والحوار والقراءة والكتابة والتعلم والعمل والتجربة والتفكير لإيجاد حلول إبداعية مبتكرة دائماً.

ماذا تريد؟ كثيراً أسمع هذا السؤال بكل اللغات واللهجات، بالذات عندما يصل الحوار إلى نقطة إثبات أننا نجهل الأمر، لا يقبل معضمنا مجرد التفكير بحقيقة أننا نجهل الأمر، بل نجد من السهل تقعيد المشكلات بقواعد تصبح مع مرور الزمن ثوابت، والأصل أنها لم تنتقل من حيز الجهل إلى حيز المعرفة، لنجد المحاور يقول ببساطة، ماذا تريد؟ وكأنني أدعوا إلى أمر يعيبه الجدل أو لا جدوى من الحديث حوله.

يقول واحد من أعز أصدقائي، رداً مفحماً عند الوصول إلى أي مفترق طرق، أثناء حديثنا عن المشكلات التي تتطلب منا التفكير والتحليل، قولة شهيرة: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع. وكأنه بهذا القول ينهي جدلاً الحوار حول أمر أقل ما أقول عنه، أننا نجهله تماماً ويحتاج منا إلى تفكير وتحليل لإيجاد حل. ليس بالضرورة أن أرد عليه بقولتي: اللهم إني أعوذ بك من جهل مطقع، ربما لأنني أدرك أنه يتلطف بحد قدرته ليقول لي لقد شت عقلي من التفكير.

علينا أن ندرك أننا نجهل أموراً كثيرة في الحياة، أكثر من تلك التي نعلمها وندركها، والله سبحانه وتعالى يقول: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، هذا الإدراك يدفعنا للبحث دائماً عن حلول لمشكلاتنا والتفكير فيها بقدر أكبر بكثير من تداول مواضيع السياسة والفن والرياضة، وأكثر بكثير من الحديث عن الإيجابيات والسلبيات، أو دفع الحوار إلى منطقة التحدي في أي الفريقين هو الأفضل من الآخر.

كنا نجلس جلسة ودية، طرح أحد الأطراف موضوعاً بالغ الأهمية، وقال: كيف يمكن أن نؤسس مشروعاً تجارياً ناجحاً، يحافظ على رأس المال المستثمر فيه، ويحقق أرباحاً بسيطة جداً، ويكون بذرة تعلم لدخول عالم التجارة والأعمال.، فرد طرف آخر قائلا: أنا لا أعرف هل نحن مدعووين للحديث حول أمور تجارية أو الجلوس للاسترخاء والراحة والمتعة.، ولسان حاله يقول، أنا أرفض مجرد طرح موضوع لا أستطيع الإضافة عليه، أو لا تتحدثوا بحديث أجهله، مع أننا جميعنا في ذلك المجلس كنا نجهل الأمر، إلا أن صوته كان مؤثراً ودفع الحوار إلى منطقة أخرى ليس لها أي فائدة على الصعيد الفردي أو المجتمعي.

اجلس في جمع من الأطباء، واطرح فكرة أن الطب عندنا متخلف، سيرفض الجميع الطرح، ليس لرفضهم للفكرة، ولكنهم والحق معهم، ينظرون للأمر من زاوية تأثيرهم بالحد الأقصى المتاح لهم، وهذا الأمر ينطبق على جمع من اللاعبين، أو جمع من التجار أو جمع من المهندسين، وكذلك المعلمين، فهم يذهبون لتبرير ضعفهم، بمؤثرات عملهم التي لا نشكك بها، كونها تصب في الحد الأقصى من المتاح، إلا أن الموضوع يتطلب منا التفكير في التغيير الصغير الذي يمكننا من إضافة شيء ولو يسير لنكون بحال أفضل، وفي أحسن الأحوال سيتحول الحوار إلى حوار جديد حول أساليب الحوار السيئة والجيدة، ويتحول الحوار إلى موضوع آخر في مهارات التواصل.

في خلاف جزئي مع أحد الجهات التي كنت أعمل معها، كان الأمر يتعلق بوعود باهتة لإنجاز معاملات سداد أجور مستحقة متعثرة لأكثر من ستة أشهر، كان المتحدث باسم الشركة يؤكد على قيم الأخلاق ومهارات الاتصال، وقالها لي صريحة، أن مكانتي المهنية تتحتم علي انتقاء الفاظ مناسبة، للحديث حول مشكلة في العمل، فأنهيت الحديث بسؤال. متى أتوقع سدادكم للمبلغ؟ فكانت الإجابة صاعقة. قال: أكون معك صادقاً (وهذه قيمة عالية جداً عندنا وتتيح لصاحبها عمل أي شيء بعد ذلك، حتى أنها تتيح له الكذب) لا أعلم. وحقيقة الأمر أنه يعلم أنه لا يوجد فرجة أمل لإنهاء المشكلة. ثم أردف قائلاً، نهاية الأسبوع القادم تنتهي المشكلة وتستلم كل المستحقات المتعلقة لديك، وبعد شهر لم أتسلم شيء، وانتهى الأمر بأنني شخص جداً مزعج!!، ربما كان الإزعاج مني في مطالباتي خمسة مرات في السبعة أشهر، وهذا يتعارض مع توقعاته، بأن البديهي أن لا أطالب، وأنه إنسان صادق، وحتماً سينهي الأمر إن تيسر له، وإلا فلا داعي للإزعاج.

الديك لا يبيض، وهذا ما نحاول دائماً الخروج به في حوار يفترض أنه منطقي ويتحول إلى جدلي، حول الدجاجة والبيضة، لنقف على نتيجة مقنعة بعيدة عن كل الجدل، أن الديك لا يبيض، في القانون الأمريكي لولاية شيكاغو، إذا حصل شجار بين شخصين، فالخطأ كله يقع على الطرف الذي مد يده أولاً، بغض النظر عن رأيي في الأمر، إلا أن هنالك قانون يحكم النزاعات بين الأطراف، بينما في مجتمعاتنا، إذا حصل شجار بين شخصين، فالخطأ يقع على الطرف الأصغر، وخذ قياسات متعددة للأصغر، تبدأ من القياس بالعمر، إلى حد القياس بالسلطة.

نحن نرفض أن يكون طرفي النزاع شخص معمر، يبلغ من العمر ستون عاماً، وآخر فتي لم يتجاوز العشرون، لأن الحق مع الكبير، بغض النظر عن المشكلة، لأنه من البديهي أن الديك لا يبيض وبالتالي، هنالك جملة من المسلمات والثوابت تقول، بأن احترام الكبير واجب، وأنه ليس من المعقول أن يصرخ الكبير في وجه الشاب، دون أن يستفزه الآخر بكلمات أو سلوكيات تقلل من احترام الكبير، وخذ من الأو، ما تشاء، سنقف عند ثوابت أن الصغير عليه أن يحترم الكبير، ومن العيب أن تتبجح في حوارك مع الكبير، وتذوب المشكلة في متاهات الأخلاقيات، التي هي أصلاً غير معمول بها من قبل الكبير، لكن المهم أن الاحترام واجب للكبير.

ناقش مشكلة تتناول نزاعاً بين رجل وإمرأة، وخذ من النتائج أحكاماً لها ثوابت معظمها لا يناقش المشكلة بالأساس، بينما يناقش طبيعة الرجل والمرأة، فإن كانت المشكلة في إمرأة ضربت رجلاً، وكان الرجل غريباً عنها، ستكون النتيجة أنه هو المخطئ، لأنه تجاوز عليها وإلا لم تتجرأ عليه، أو أنه ليس رجلاً بالأساس لأنه وضع نفسه في هذا الموضع، فالحق مع المرأة، أما إن كان الرجل زوجها أو أخوها، ستكون الطامة الكبرى على المرأة، وخذ من تحليلات أنها متبجحة وغير محترمة، وتستحق من اللعنات ما الله يعلمه، ولا تنسى أن المشكلة أساساً ليس محوراً في التحكيم.

تبدأ المجتمعات في التطور عندما، توضع قوانين وسياسات تحكم التعاملات فيها، وتنفذ هذه القوانين بعدالة، تتيح للجميع الحق في التعامل والتقاضي، وفق تلك القوانين، وتنهار المجتمعات عندما، تكون القوانين ليست موجودة، أو موجودة وليست مطبقة، وهنا تظهر مشكلات في المساواة والعدالة والحقوق والحرية، وتصبح حقوق الفرد مرهونة بقائمة طويلة من الثوابت، ينسف بعضها بعضاً، وإن كنا غير قادرين من واقع عدم الاختصاص بوضع وتطبيق القوانين، فنحن معنيين أصلاً ببدأ عملية النهوض من ذواتنا، فعلينا كأفراد، فهم أن الديك لا يبيض، وأن الثوابت المجتمعية تختلف عن الثوابت الفردية، ففي الوقت الذي لا نملك مؤثراً على ثوابت المجمتع، نحن نملك كل المؤثرات على ثوابتنا الفردية، وتحقيق الفهم اللازم لإحداث التغيير على الصعيد الفردي والأسري والعائلي ثم الانطلاق منه إلى تأثيرات أوسع على المحيط، تتسع بدوائر صغرى تكبر شيئاً فشيئاً، إلى أن تشكل ثوابت مجتمعية.

على أفتراض أنني أسكن في حي سكني يقع بمدينة كبيرة، ووجدت حفرة أمام المنزل، فمن المسؤول عن إنهاء هذه المشكلة؟ أعتقد أنني من أوائل المسؤولين عن هذه الحفرة، ويبقى الاختلاف هنا، في فهم قواعد اللعبة، لبدء العمل على إحداث تغيير من شأنه إنهاء هذه المشكلة، هنا نبدأ أولاً من فرضية أن الديك لا يبيض، وفهم كل تداعيات هذه الفرضية، ثم الانتقال إلى فرضية أن الدجاجة تضع البيض، وخذ تداعيات هذه الفرضية أيضاً، وهنا يتشتت الأمر ليقول البعض، ليس من شأني القيام بمهام عمل ليس موكلة إلى، أو الوقوف على طرف أن المبادرة أصل، وأنا معني بإنهاء الأمر، ولن ننسى طبعاً فرضية أن البيضة تفقس صوصاً يكبر مع الوقت ليبصح دجاجة.

حقيقة الأمر أنني أسكن في حي سكني يقع بمدينة كبيرة، ولا يوجد أي حفرة أمام منزلي، وأنا أدرك فرضية جديدة وهي، أن البيضة تفقس صوصاً يكبر مع الوقت ليصبح دجاجة أو ديك، وهذا خلق الله، لن نستطيع أن نتحكم في نتيجة الصوص هل سيكون دجاجة أم سيكون ديكاً، ويمكن أن تنتهي المسألة على ثابت من الثوابت يقول: دع الخلق للخالق.

عندما ذهب عبدالمطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبرهة النجاشي يسأله القطيع، كان يدرك جيداً، أن الصوص يمكن أن يكون ديكاً أو دجاجة، وهو لا يتستطيع التحكم في تغيير حقائق ليس له يد طول عليها، لذلك لما استغرب النجاشي سؤاله، وتعجب كونه لم يسأل عن حال هدم الكعبة، قال له عبدالمطلب، أنا رب القطيع وجئت أسألك فيه، وللبيت رب يحميه، هنا تتضح أكثر مسألة التسليم، أين تقع ومتى تكون، فعندما تكون الأمور تدور في جوانب بعيدة عن دائرة تأثيرنا، علينا أن نتوكل على الله فيها.

نحن أفراد نعيش في مجتمع، نتأثر منه ونؤثر فيه، وعمليات التغيير تخضع لقوانين، فإن كانت المشكلات تقع في دوائر تأثيرنا، فنحن المسؤولين عن إحداث التغيير فيها، وإن كانت المشكلات تقع في دوائر اللا تأثير، فنحن لسنا معنيين من التفكير فيها علاوة عن الحوار فيها، فكل ما يحدث من حولك هو إحدى أمرين إما أن يقع في دائرة تأثيرك أو لا يقع في دائرة تأثيرك، فإن كانت الأمور تقع في دوائر تأثيرنا فعلينا المبادرة في تغييرها، وإن كانت ليست كذلك، فهي تقع بالضرورة في دوائر تأثير غيرنا، ولا يسعنا عمل أي شيء لتغييرها، وكل مسؤول عن الأمور الواقعة في دائرة تأثيرة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

الديك لا يبيض لكنه هو السبب لنتيجة البيضة والدجاجة والديك الجديد، ولو كان الديك يعيش في الكون دون دجاجة، لانقرض، ويمكننا ترتيب الفرضيات لتصبح سبعة فرضيات تساعد في تشكيل قواعد تحدث التغيير المنشود في واقع الفرد والجماعة، وهذه الفرضيات هي:

  1. الدجاجة تبيض بيضاً
  2. البيض يفقس صوصاً 
  3. الديك لا يبيض
  4. الصوص يمكن أن يصبح دجاجة أو ديك
  5. الديك هو السبب لنتيجة البيضة والدجاجة والديك الجديد
  6. الديك من غير الدجاجة سينقرض 
  7. البيض حق للديك والدجاجة


لا نستطيع الجزم بأن الديك هو الأصل أو أن الدجاجة هي الأصل، ناهيك عن كوننا لا نستطيع أن نجزم بأن البيضة هي الأصل، فالأمر مرتبط بالدجاجة والديك والبيضة، وفي هذه الحالة تعتبر البيضة حق للديك والدجاجة، والبيضة ليست غاية بل وسيلة، تساعد الديك والدجاجة على التكاثر، وتحافظ على نسلهم من الانقراض، ويقع على عاتق الديك أن يحافظ على الدجاجة والبيضة، كما يقع على عاتق الدجاجة أن تدرك هذا المفهوم وتعمل وفقه، وسنعتبر أن البيضة تقع في دائرة الرعاية، وعلى الديك والدجاجة تقديم كل الدعم والنصح لها، لأنها ستكون في المستقبل ديكاً أو دجاجة.

تنكسر البيضة، عندما لا يلعب الديك دوره الحقيقي المناط به، أو تتنصل الدجاجة من دورها في الرعاية، أو عندما تقع مشكلة بين الديك والدجاجة، تنتج نزاعاً على السلطة، تكون ضحيته كسر البيضة.

افرض أن الديك والدجاجة هم أفراد المجتمع، وضع ضمن الفرضية نفسها، أن البيضة هي المجتمع، تدرك أن كل الأطراف مسؤولين عن التغيير والنمو، وبغض النظر عن الأصل، فالديك الذي سيرعى الدجاجة والبيضة، سيكون فرداً فاعلاً في المجتمع، وسيكون لبنة بناء، وهذا لن يتحقق دون إدراك الدجاجة لذلك الواقع والعمل بمتطلباته، وسيكون المجتمع دائماً هو نتيجة وليس سبباً، حتى وإن كان مجتمعاً ناهضاً، فهو يتشكل من مجموعة من الأفراد، من فصيلين هم الدجاج والديوك.

من كسر بيضة الديك؟ المسؤول عن كسر البيضة هو أي فرد في المجتمع لم يقوم بالتفكير والعمل على حل مشكلاته، والانطلاق نحو إحداث تغيير على مستواه الفردي، والاهتمام بكل ما يقع في دائرة تأثيرة، والذهاب بعيداً لمساعدة الآخرين في تغيير واقعهم، بغض النظر عن كونه أي نوع من أنواع أفراد المجتمع، بكل التصنيفات، الجنسية والاجتماعية والطبقية بكل اختلافاتها، ولن يجدي نفعاً حواراً مطولاً دون إدراك أن حجم ما نجهل دائماً أكبر بكثير من حجم ما نعلم، وأننا بحاجة إلى التعلم دائماً، والعمل معاً، لحل مشكلاتنا، صغرت أم كبرت.

وللحديث في بقية في عرض نتائج القصة، الذي بدأت الحديث عنها، ما الذي حدث في جلسة الدجاجات، بعد تعليق الديك، وإلى أي نتيجة وصل الحديث بعد تلك الواقعة في تعليق الديك، وهل وقف الأمر عند الدهشة أم تطور إلى حوارات أخرى تدعوا إلى تفصيل وتحتاج إلى عرض يناقش ما تؤول إليه المسألة.

أشرف بن محمد غريب
20 أغسطس، 2016


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية