خطوات التغيير

كثيرة هي المعلومات المفيدة التي نتبادلها على وسائل التواصل الإجتماعي، ولو صنفت تلك المعرفة لكانت كفيلة لحل كل مشكلاتنا في الحياة، فالرسائل القصيرة باتت تسلط الضوء على الكثير من الأفكار الهامة جدا لحياتنا ولم تعد هنالك معوقات كبيرة لتبادل المعرفة، بيد أن الجهل يزداد يوما بعد يوم، بشكل طردي مع تطور تقنياتنا ووسائل تواصلنا، وهذا أمر غريب، يبعث على التشاؤم أكثر من التفاؤل لأن التطور التقني يفترض به أن يدفعنا خطوات للأمام في مسار التقدم الثقافي والعلمي.
معادلة يصعب تحليلها إلا أنها واقعية، ففي الوقت الذي كانت وسائل التواصل بين الناس بسيطة كان هنالك إدراك أكبر ووعي أكبر يدفع الجميع للاهتمام بأي معلومة تمر عليه لأنها كانت نفيسة ولا تتكرر بينما اليوم من الممكن أن تمر على الكثير من المعلومات المفيدة وتتجاهلها بحجة الرجوع إليها في وقت لاحق، وغالبا لا ترجع لها، وإن حدث ورجعنا لها ستكون في جملة المعلومات السريعة لا نركز عليها.
في الحياة نحن نسعى إلى تحقيق أهدافنا بغض النظر عن طبيعة الأحداث والظروف التي جعلت منها أهدافا لحياتنا، ونحن في الوقت نفسه بحاجة إلى إدراك لأهمية المعرفة التي نتلقاها حتى نتمكن من الوقوف على الأهم والأفضل دائما، وتجاهل الأمورالغير مهمة، إلا أن هذا عكس ما يحدث، فهنالك رغبة جامحة لتصفح المقاطع المصورة التي غالبا لا تضيف لنا الكثير من الخبرات والمهارات على صعيد الحياة الواقعية، ونتجاهل تلك المقالات والمعلومات الهامة بحجة أننا بحاجة الى تركيز ووقت اضافي لتلقيها والاستفادة منها.
أقترح خمسة خطوات لتلافي الوقوع في هذا الشرك، وتجاوز الأمر إلى الأهم وترك الغير مهم إلى أي وقت ربما لا يأتي لاحقا وهذا لا يشكل خطرا على تطورنا في الحياة.
الخطوة الأولى: أن نضع كل جهدنا واهتمامنا وتركيزنا في تحديد أهداف سنوية تجعلنا نتوافق مع ذواتنا بشكل أفضل ونحقق توازنا على الصعيد الاجتماعي والشخصي والعملي، ونراجع تلك الاهداف بشكل مستمر، وكلما زادت تكرارات المراجعة، زادت فرصتنا في تحقيق تلك الأهداف بالاضافة إلى أن هذه الممارسة ستمكننا من تجاوز الغير مهم للتركيز على الأهم، لأننا نكون بذلك حددنا البوصلة نحو الشمال بمعنى، أننا نكون في كل يوم مركزين أكثر على أهم ما يجعلنا نحق أهدافنا في الحياة وبالتالي لا نضيع الكثير من الوقت في وسائل التواصل الاجتماعي على الأمور الأقل أهمية لأن الأكثر أهمية يحتل معظم الوقت.
الخطوة الثانية: مقاومة الإغراء بحيث نجعل من أنفسنا قادرين على مقاومة كثير من المغريات التي تلح علينا بأن هذا الأمر مهم، ونجعله لاحقا، فالطالب الجامعي مثلا، هو بأمس الحاجة لإنهاء دراسته العلمية وتحقيق الدرجة العلمية لتنتهي رسالته في الفترة الحالية بتخرج ودرجة علمية، وفي الوقت نفسه سيجد كثير من المغريات على صعيد العمل أو المعرفة المتبادلة، يمكن أن يخطط لها أن تكون بعد سنوات وهذا يجعلنا نركز على الأهداف الأهم ويجعل لنا فرصة بتتبع مسيرة الحياة بالأهم أولا، وربما تشكل هذه الممارسة مهارة عملية في تجاوز مضيعات الوقت وعدم الجلوس وقتا أطول على وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل أهمية بالغة في التواصل وأهمية ضعيفة جدا في التعلم.
الخطوة الثالثة: التفكير بطريقة المشاريع لا طريقة المجاميع بمعنى أن نكون أكثر قربا من التركيز على تحويل أي ممارسة أو مهام عمل إلى مشاريع تحقق نتائج بنهاية الأمر، بدلا من التشتت في إنجاز الكثير جدا من المهام اليومية التي لا تمثل نقلة نوعية في حياتنا أو فائدة مرجوة على الصعيد العملي أو الشخصي أو المهني، وهذا يحدث كثيرا، تجد البعض مهتما جدا بنشر الكثير من الفوائد على بعض وسائل التواصل ولو جمع الوقت الذي يعمل فيه على هذه المهمة لوجد أنه يكفي لتأليف كتاب، والأمر مختلف فتأليف كتاب يحقق لك نتائج واضحة للتقدم الثقافي والعلمي، بينما نشر الفوائد على وسائل التواصل الاجتماعي لا يشكل ذات الفائدة.
الخطوة الرابعة: أن نعيش ضمن الممكن والصعب ولا نقترب من المستحيل، في الوقت الذي يعمل فيه الكثير من الناس على تحقيق مآربهم في العمل والحياة، نجدهم مرهقين جدا في العمل وفي تسيير أمور حياتهم، وفي الوقت نفسه يفكرون بطريقة المستحيل، فهم ينظرون في مجالسهم لحل مشكلات المواصلات والصحة والتعليم والإسكان والغلاء المعيشي والأزمة الاقتصادية والحروب العالمية، وكأنهم علماء ذرة، يستطيعون في مجلس تحليل الأمور وحل المشكلات الكبرى في العالم، وتجدهم أنفسهم، لا يقدمون أي خطوة للأمام تجاه حل مشكلات نور متعطل في غرفة، أو قطعة أثاث مكسورة، ودواليك، فهم يتجاوزن العمل والتفكير في الممكن أو الصعب للتفكير في المستحيل الذي لا طائلة يد لهم فيه، وهذا يشكل تشتت في حياتهم يجعلهم أكثر الوقت غاضبين على الظروف الاجتماعية أو العملية، بينما هنالك أولويات يمكنهم إنجازها ولا يلتفتون إليها، ربما لأن الوقت لا يسعفهم في ذلك.
الخطوة الخامسة: تحقيق التوازن بحيث نجعل إدارة أوقاتنا مقسمة على الوفاء بمتطلبات أمورنا الشخصية وأمورنا الأسرية والاجتماعية والعملية بتوازن يجعلنا نعيش الحياة التي نتمناها، وليست الحياة التي تفرضها علينا الظروف أو الآخرون، وهذا من الوهلة الأولى يبدوا يسيرا، إلا أن تحليل أوقات الأسبوع الماضي فقط بتقسيم كل مهام العمل الشخصية والاجتماعية والعملية، يجعلنا ندرك أننا ننفق وقتا أكثر في أقل الأمور أهمية لنا، والأمر يبدوا غريبا لكنه واقعنا مع معظم الناس.
كيف نستطيع تحقيق كل تلك الخطوات؟ سؤال مهم يدفعنا قبل الاهتمام بالاجابة عليه التفكير بالاجابة على سؤال أهم وهو: لماذا نريد تحقيق تلك الخطوات؟ والإجابة على السؤال الثاني تبين لنا أهمية ما نسعى إليه ونخطط لتحقيقه، وبالتالي إذا عرفنا الهدف من الحياة يمكننا أن نتعلم أو نتعرف على كيف نحقق ذلك. نحن بحاجة لمعرفة المبررات والدوافع المحركة لأنفسنا من الداخل للتغيير ومن ثم نسعى لذلك التغيير، والخطوات التي ذكرتها لا يمكن الاعتماد عليها على أنها نظاما جامدا لا يمكن تحقيق أهدافنا بالحياة بغيرها، فهنالك الكثير من الوصفات الناجحة والتي حققت إنجازا على صعيد المجتمعات والمنظمات، غير ما أقول، وتبقى هنالك دائما وصفات متعددة لتحقيق النجاح في الحياة، يبقى الأمر الأهم أن نعرف ما هو النجاح الذي نسعى لتحقيقه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية