ليس كل ما يلمع ذهباً

تغرينا كثيراً من الأشياء التي تلمع، وتغوينا أحياناً، لأن البريق دائماً يصنع ذلك الأثر بالذات لمن يقدر اللمعان والألق، وهذا ليس عيباً إلا أنه يؤدي إلى مشكلات نحن في غناً عنها على أي حال، وأبدأ في بيت القصيد، أسمع بعض الكلمات الرنانة والتي يتبادلها الناس على وسائل التواصل الإجتماعي، والأمثلة أكثر من أن أضرب مثلاً لكنني سأوضح الأمر بوصفها، كلمات تبدوا للوهلة الأولى مؤثرة وجميلة وحقيقية، وتعبر عن حكمة بالغة، ليس الأمر كذلك، لكنه يبدوا في معظم الأحيان كذلك، ونأخذها على أنها مسلم بها، وهنا تبدأ الحكاية.

الأمثال والحكم والمقولات الشائعة في جملتها لا يمكن أن تعتبر دستوراً للحياة، والطامة الكبرى أن البعض يرسم خطى حياته على هذه المقولات، والأقاويل وكأنها حكم لقمان عليه السلام، والأمر ليس كذلك ولن يكون كذلك بأي حال، فالثوابت هي الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات على الناس، وتحرف منها ما تحرف وبقي القرآن الكريم، بحفظ الرحمن، لذلك كل ما يقال لا يمكن أن يعتبر ثوابت ومسلمات إلا آيات القران الكريم، ومهما كانت الحكم مؤثرة وحقيقية وبالغة الدقة تخضع لعوامل التغيير في الزمان والمكان والإنسان نفسه الذي سيقتدي بهذه الحكمة أو تلك، وهذه المتغيرات الثلاثة أقل عدد لمجاهيل المعادلة التي ربما يزداد عدد المجاهيل فيها إلى ما لا نهاية.

سمعت قصة تم تداولها كثيراً في وسائل التواصل الإجتماعي، وتعددت سبل إخراجها، فمرة تسمعها بالصوت، ومرة تقرؤها ومرات ترى أفلام مصورة تحكي القصة، عن طفل، أمسك بخشبة، ودق فيها مسامير ثم نزع المسامير وبقيت اثارها في الخشبة، ويأتي الصوت الخلفي، صوت الحكيم، ليقول، بما معناه، يمكنك ان تنزع المسامير لكنك لا تستطيع ان تمحوا اثر الطرق الذي تصدع بالخشب، وضخم الحدث أو أخفض مستوى الرواية ستكون النتيجة مؤخراً، ما يكسر لا يمكن أن يصلح.

مشكلة كبيرة أن نبني حياتنا على مفاهيم ضحلة كهذه، وأن نتبادل كل الرسائل التي تحمل معاني كهذه، وسنجد في كل مرة أثراً كالسحر، لهذه العبارات، لأنها تلمس حاجات الموجوع، وتحاكي آلام المظلوم، وتتماشى مع احتياجات الإنسان وذاته التواقة للشعور بحالة الضحية، وانه مسكين والآخرين يسببون له الأوجاع والالام وهو السوبر، الذي لم ولن يتسبب بأي أذى لأي أحد، فهو على الدوام يخاف الله ويصلي، ولم يظلم أحداً، والحقيقة أن أكبر مفتري في العالم سيقول بكلمة بسيطة حين ينام على وسادته، اللهم إني لم أظلم أحداً، الإنسان بطبيعته يحب هذا الشعور، الشعور بحالة الضحية، حتى وإن كان الجاني، بغض النظر لن أذهب لتحليل عقليات بعض الجناة، وأنا مهتم في هذا الطرح أن أركز على الحكم والمقولات التي تلمع وتغوي في البداية لكنها تترك أثرا سلبياً بالغ التعقيد لمن يؤمن بها، وعوداً إلى القصة التي طرحتها، في الفقرة السابقة من هذا المقال، فإن ما يكسر يمكن أن يعالج ويصلح، ولو عدنا إلى كثير من الآيات القرانية التي اتفقنا على أنها ثوابت، سنجد، أن كل شيء يمكن أن يعالج ويعدل ويتغير، بإذن الله، وحتى الأخطاء مع الله، فالله سبحانه وتعالى يقبل التوبة ويعفو ويغفر.

هنالك ثلاثة أسئلة هامة جداً لفهم هذه الحالة من الحكم والمقولات وتداولها:
  • لماذا نؤمن بهذه الحكم فور تلقيها؟ (بالسمع أو القراءة أو المشاهدة)
  • ما هي الأثار السلبية اللاحقة لمثل هذه الحكم ؟
  • هل هذا الحديث عن الحكم يشمل الكل أم البعض؟ل
لماذا نؤمن بهذه الحكم فور تلقيها؟، لأنها ببساطة تلامس جرحاً، تحاكي ألماً، توافق شعوراً نشعره في اللحظة التي تلقينا فيها هذه المقولة أو تلك، ونجد أنفسنا مؤمنين بها جداً لأننا وجدنا أخيراً من يشعر بنا، بغض النظر كان الشعور بالراحة لذات الكلمة أو لمن قالها، فنحن عند لحظة التلقي نجد أنفسنا كمن كاد أن يغرق ووجد طوق النجاة فوراً.

تخيل أنك تستيقظ في صباح اليوم التالي من النوم، وأول الأحداث التي تواجهها في يومك أن هنالك فاتورة كبيرة عليك سدادها، ورصيدك نافذ، وليس لديك مصدر من المال لسداد الفاتورة، ولاتزال لديك محاولة واحدة فقط للخروج من هذا المأزق، بماذا ستفكر اليوم؟، صدقني أنت لن تفكر بأي شخص أو حدث يمر من حولك، سوى ما يفيد في علاج هذه المشكلة التي تركز عليها، فلو سمعت على المذياع صباحاً، مقولة تقول: "تعامل مع كل المشكلات التي تحيط بك اليوم على أنها ستزول عاجلاً أم آجلاً، وتذكر أن هذه المشكلة التي تواجهها اليوم ستمر، كما مرت غيرها الكثير من المشكلات ..." أنا لست بحاجة لأكمل لك ما يقال على المذياع، لأنك عند هذا الحد على أقصى تقدير ستكون سرحت في مسارات هذه العبارة وروعتها، وستفكر بطريقة مشابهة لما قيل، وبالتالي ستجد أن هذا البرنامج وهذه الإذاعة علاوة على المقولة ومن قالها والمذيع كلهم من أحبابك، وزمرتك وخاصتك، لأنهم هم فقط من يفكر بنفس الأمر الذي تفكر به الآن.

نحن نؤمن بالمقولات لأننا مستعدون لتلقيها، مستعدون جيداً ومستعدون جداً، فما إن تقع، نجد أنفسنا وكأننا نقول، نعم يا سلام هذا الكلام الذي يحاكي فعلاً ما أعاني وأكابد، يا الله، هنالك في العالم من يفهمني ومن يشعر بما أشعر به ومن يعرف تماما ما يحدث لي، وتبدأ تسرح في هذا المسرح الذي ينغلق عند حدود مقولة ربما لا تكون في أحسن أحوالها فيها أي حل للمشكلة غير توصيفها فقط، وهذا ما يحدث غالباً، نحن نصدق هذه الحكم لأنها تصف تماماً الحالة التي نمر بها، ونحن لا نحتاج غالباً أكثر من شخص يربت على كتفينا ويقول لنا: فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، والله سبحانه وتعالى يقول: والعصر إن الإنسن لفي خسر، إلى أن قال وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، فمسالة التعاضد المجتمعي الكلي والترابط لا تعني أكثر من القدرة على التعاون والتآلف والتصبر.

ما هي الآثار السلبية اللاحقة لمثل هذه المقولات والحكم؟ ربما يستنكر علي قائل، فيقول: لماذا تستكثر على الناس حتى الشعور بالراحة، تجاه سماع مثل هذه الحكم، بالعكس هذه العبارات لن تضر إذا لم تنفع.، وردي ببساطة أن هذه المقولات تضر ولا تنفع. إن من الآثار السلبية لمثل هذه الحكم أنها تغلق المجال أمامنا من التفكير المنفتح نحو الإبداع والتغيير والتأمل والتفكر وإيجاد الحلول والخروج من دوائر المألوف إلى التفكير خارج الصندوق، لنقع في مستنقع التحسر والتألم والتظلم والندب، وتصغر دوائر الحلول وتغلق نوافذ الآمال، وتغيب شمس الوفرة، لنقع في ظلام الحسرة، وهذا ما يحدث غالباً، أعرف كثيراً من الناس من سلمت أمرها لله، على حد زعمها، وقالت: لهم الجنة ولنا الآخرة، وأصبحت هذه المقولة دستور حياة، فهو لا يعمل، أو لا يسعى أو لا يفكر، أو لا يحاول، لأنه على حد تقديره، فوض أمره لله، فجلس يتحدث مع هذا ويلعب مع ذلك، ويتسامر مع ثالث، ويخرج مع رابع، ويعود للأول، وهكذا تسير حياته في حالات من الانهزامية، لأنه كما يقول قد فوض أمره لله، ولهم الدنيا ولنا الآخرة.

ماذا ستصنع بك مقولة، عابرة تقول: القناعة كنز لا يفنى، ثم تجد مفسراً أحمقاً فيفهمها على تقتير الحال وليس سعة الأحوال، لتجد نفسك دائماً مطأطئ الرأس خاضعا ذليلاً، وللأسف تقول، القناعة كنز لايفنى، ولو تفكرت في عمق هذه المقولة، كما يقول أخي وحبيبي الأستاذ محمد عايش: تجد في القناعة سعة لا تنتهي ولا تفنى وهذا هو الكنز، كبر قناعاتك ولا تصغر كنز، ولكن العكس ما يحدث غالباً تجد الناس تصغر كنزها لتكون قناعاتها محدودة، وتعتبر هذه الفكرة البائسة كنز، أو مثل ما يقال، مد أرجلك على قدر لحافك، ولم يتفكر صاحبنا في أن يطول اللحاف، وكأن الأمر انتهى على أن اللحاف قصير وهذا يعني أن كل ما يمكننا عمله هو أن نتعايش معه.

كثيرة هي الأمثلة، والحكم التي في غالب الأحيان تعبر عن جزئية أو حالة لا يمكن أن نعممها لنعيش وفقها، وللأسف بتنا في هذا الزمان نعيش وفق مرئيات ضيعة، ورؤى محدودة، وهمم لا تتعدى تويتر وانستجرام، ونؤمن بالله وكأن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نكون على هذا الحد من الغباء، معاذ الله أن يكون الأمر كذلك، علينا أن نخرج من دوائر الحكم والمقولات الضيقة، لأنها تنفعنا إذا كنا على قدر من الثقافة والفهم والوعي والإدراك، لكنها تضرنا جداً، إذا كانت ثقافتنا ضحلة، فمن يقرأ كتاباً يفهم أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ولكن من لم يقرأ غير هذه المقولة، بالتأكيد سيفهمها الفهم الخاطئ وعلى أحسن تقدير، سيطبقها التطبيق الخاطئ.

أجد عبر وسائل التواصل الإجتماعي كثيراً من الحكم والمقولات الرائعة، لكنني أجد فهماً مغلوطاً لها، حين أرى التعليقات عليها، بل في بعض الأحيان، تفهم العبارات على عكس ما أراد الكاتب بها، وهذا يدل على هشاشة الثقافة التي يمتلكها من علق ذلك التعليق الضاد لمراد المقولة، ونصيحتي للجميع أننا بحاجة للقراءة أكثر، فالعبارات المارقة لن تجعلنا مثقفين، وستظهر هشاشة ثقافتنا في أي لحظة، وسيدركها أي شخص واعي مثقف بحق، لأن من يقرأ كتباً ليس كمن يقرأ تغريدات، ويتابع مقاطع، ولن يكون.

هذه الأمور أصبحت تؤثر علينا سلباً لأننا أصبحنا كمثل الذي يقرأ في القرآن الكريم، ولا تقربوا الصلاة، ويقف عند هذا الحد، ولا يعلم أن للآية تتمة، ولأسباب النزول قصة، ولفهم الآيات معاني وحكم، فالأمر أبداً لايمكن أن يكتمل عند حدود مقولات عابرة، بل يستدعي منا أن نقرأ مقالات كاملة، ونقرأ كتب كاملة، ونتابع برامج كاملة، لأشخاص متخصصين، في مجالات ما يتحدثون به، وليس شخصيات مشهورة على وسائل التواصل الإجتماعي، فالأمر يبدوا أنه عادي، لكنه خطير جداً، لأننا أصبحنا نتداول الحكم والمصطلحات، مع ضعف شديد في التقدير للمعاني والمعلومات.

قديماً كان يحذر العلماء، والمتخصصون من اعتبار كلام الصحف، على أنه حقائق علمية، وكانوا كثيراً ما يؤكدون على ضرورة، التحقق من المراجع، سواء كانت بأسماء المراكز أو الوزارات أو الجامعات و المؤسسات التي تقف خلف تلك المعلومات، أو العلماء والمتخصصين بأسمائهم، أو غير ذلك من المرجعيات للتحقق من دقة المعلومات في الصحف والمجلات، وشاع قديماً ما يقال: كلام جرائد، أي أنه غير موثوق، واليوم نحن بحاجة لهذا الفكر ينعكس على كل ما يتم تبادله في وسائل التواصل الإجتماعي، لنقول فعلاً، كلام تليفونان، أو كلام انترنت.

عندما نسمع قصصاً ومقولات، بل وشخصيات تتحدث عن حكم، ماشاء الله وكأنها مبلغ العلم، والله بعض الناس يتعاملون معها كأنها حكم لقمان، والبعض ولا أبالغ يتعاملون معها وكأنها آيات قرآنية، بل استنكر علي شخص في اجتماعي عائلي، لما اعترضت على مقطع لشخصية مشهورة، وهو شخصية دعوية نحسبها صالحة والله حسيبها، لكن ذلك لا يمنح هذا الشخص قدسية، تحرم علينا حتى الاختلاف معه في وجهة نظر، وإن كانت إجتماعية، وخذ من التعليقات ما يربك، فالبعض يرد مباشرة: من أنت لتعدل على فلان، هل بلغت مبلغ علمه، أو عندك حسنات قدر عمله، أو لديك من الاجتهاد مع بادر بعمله، ويرفع سلاحه للدفاع عنه وكأنه يقول: إياك أن تهمز ببنت شفة، عن هذا الإله، وأقول: لا إله إلا الله.

بعض الشخصيات المشهورة، بالذات الشخصيات الدعوية، إن تحدثت عن معارضة أو مخالفة لهم بالرأي وأقول الرأي الثقافي أو الإجتماعي أو السياسي، تكون قد رميت نفسك في مهالك وويلات، فالناس ستجعل منك زنديقاً إذا عارضت الفكرة أو ناقشت الأمر، وأفضل ما يختم به الحديث، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولا تخوض في مثل هذه الأمور، فهؤلاء علماء، ولاينبغي أن نخوض بهذا الأمر.

لا تسلم عقلك ولا فكرك ولا حياتك، لمقولات على الانترنت، أو منشورات يتبادلها الناس على وسائل التواصل الإجتماعي، وتعامل مع كل ذلك على أنه كلام جرائد، لا يقدم ولا يؤخر، لن نستطيع تقوية إيماننا بالله من متابعة قناة الحاج فلان، ولا نتقرب إلى الله زلفا بالإشتراك بمجموعة الشيخ فلا، ولن تفيدنا كثيراً مقولات الداعية فلان، وأنا أعني ما أقول، لأن كل ذلك يدفعنا لتكون ثقافتنا ضحلة بقدر يفوق الوصف، فبعد أن ابتعد الناس عن قراءة الكتب، والتفتوا إلى متابعة الصحف والمجلات، وبعد ما هجروا تلك العادة الأخيرة وركزوا على القنوات الفضائية، هم اليوم، لم يعودوا يهتموا بكل ذلك، وأصبحت وسائل التواصل الإجتماعي هي مركز اهتمامهم، والأمر يزداد هشاشة يوماً بعد يوم، إلا لمن يحسن استخدام هذه الأدوات بطريقة فعالة.

خذ الحكمة من أفواه العلماء والمتخصصين في مجالات خبرتهم وعلمهم وبحثهم، وإن كنا نقول مجازاً خذ الحكمة من أفواه المجانين، فهذا مثلاً يراد به هزلاً لا حقيقة، فلا ينبغى أن يؤخذ أي شيء من المجانين، لا حكمة ولا شهادة ولا نصيحة ولا مقولة، والكلمات الرنانة على الانترنت لن تصنع منا مثقفين، وإنما تزيدنا جهلاً، لأن جهلنا المجرد بالشئ، يعني علمنا بعدم معرفتنا له، ولكن جهلنا المنمق ببعض المصطلحات والعبارات والتغريدات السريعة والمقاطع السريعة والأفلام السريعة تجعلنا نجهل الشيء ونجهل جهلنا به، فيسر أن تجد اليوم من قرأ سبع تغريدات عن العلمانية، وبدأ يتحدث عن ويلات العلمانية، أو حسن التعاطي مع العلمانية، وفي كل مشكلة.

أستنكر كثيراً على العبارات السريعة، سواء كانت توعوية أو تثقيفية أو نصائح عابرة، وتكون مركز بشكل شديد، يجعلني أتألم لدرجة تفوق الوصف، لأن هذا التركيز والله لا يغني ولا يسمن من جوع، فقط هذر وهذر، يجعلك لوهلة تشعر بعد سماع تلك الحكم المتتالية أنك أصبحت أحسن، وما ضني بما حدث لك من سماع ذلك، إلا أنك أخذت مخدراً يجعلك لا تشعر بالألم لموعد الجرعة القادمة، ومن يختلف معي، أقول له، أترك هاتفك النقال وابتعد عن الانترنت لمدة ثلاثة أسابيع، ولا اقول انقطاع كلي، ولكن أقول لا تجلس على الانترنت ولا الجوال في اليوم اكثر من 20 دقيقة للضروريات فقط لمدة 21 يوم، وسترى بعد ذلك أن الاماً جسام بدأت تشعر بها، لأنك ابتعدت عن أخذ المسكنات اليومية، ثم بعد ذلك ستستطيع من ضبط بوصلتك الذاتية واعادة ترتيب أوليات حياتك بشكل أفضل بكثير مما سبق.

ليس كل ما يلمع ذهباً، وهذه حتى وإن كانت حكمة نؤمن بها، إلا أنها لن تكون ثابتة على كل زمان ومكان ولن تصلح لأي حال مع كل إنسان، وستتغير الحالة من حين لآخر، ولذلك حديثي عن الحكم والمقولات، يشمل كل المقولات والحكم، ويشمل أيضاً كل العبارات المارقة، سواء في التثقيف أو التغيير أو التطوير أو التعليم أو التدريب أو الثقافة الدينية أو الاجتماعية، فحذاري أن تبني قراراتك في التعامل مع حياتك بكلمات عابرة ربما تكون سمعتها أو قرأتها في قنوات التواصل الإجتماعي، وحتى وإن كانت من شخص متخصص فهي بالضرورة لا يمكن أن تضيء لك الطريق، مالم تعمق التفكير في الأمر وتبني ثقافتك على نحو جيد من قراءات وتعلم وتجارب وفهم لما تريد أن تقرر في أمره.

لا يعجبني كثيراً ممن يلخصون الحياة بتغريدات سريعة، ويؤكدون أن الحياة كذلك، ويعجبني جداً الشخص المهني المتخصص والذي يغرد صحيح، لكنه بين حين وآخر تجده، يؤكد على الرجوع لمقال كتبه يفصل في أمر، وينصح بقراءة كتاب سواء من تأليفه أو تأليف غيره، أو يرجعك إلى حضور برنامج تدريبي سواء معه أو مع غيره، وهكذا، فلم أعد أثق بأي شخص يكتب على الإنترنت وقنوات التواصل الإجتماعي ما خلت تغريداته، من كتابة مقال أو نشر كتاب أو لفتة إلى قراءة كتاب أو مراجعة حلقة مدتها 45 دقيقة على الأقل، معدة إعداداً جيداً، أو إحالة إلى مرجع آخر، فحياتنا لا يمكن أن تبنى على تغريدات، بأي حال من الأحوال.

حياتنا أغلى من أن نعيشها وفق تغريدات مبتذلة على النت، ومن يبني ثقافته معتمداً على تغريدات، سيعيش حياة العصافير، مغرداً، ومقالتي كتبتها لأقول: أننا بحاجة لقراءة الكتب، وحضور البرامج المتخصصة سواء كان حضورا مرئيا أو حضورا شخصيا، وعلينا أن نقرأ مقالات، وأن نفكر في الأمور، ونعود للمتخصصين ونسأل الخبراء، ونستشير ونستخير، ولا نعتمد كل اعتمادنا على تغريدات من هنا وهنالك، فكل هذا قشور، ولا يشتعل التنور إلا بالحطب، وهو ما ينضج الطعام، والأمر يحتاج إلى مزيداً من الاهتمام، فحياتنا أغلى.

أشرف بن محمد غريب
تورنتو 16-10-2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية