وهم القدرة وحقيقة العجز

دائما ما نرى من يبحث عن عمل، وفي ذات الوقت نسمع عن شركات تعلن حاجاتها لموظفين، وكأن الطرفين يقفان على ضفتي نهر ولا يلتقيان، أسمع في كثير من المجالس الخاصة، معاناة أصحاب العمل من توفر موظفين، في الجانب الآخر أو ربما في ذات المجلس تعرف من يبحث عن عمل، هنالك دائما أزمة توافق بين الحاجة للعمل والحاجة للعامل.

يعيش الكثير من الناس في حالة وهم القدرة، فالطبيب مثلا، وليس حصرا أو لشيء وإنما أردت أن أخذ أفضل الشخصيات المتمثلة في شخص الطبيب ذلك المثابر الذي درس ونجح في أطول تخصص دراسي وربما أصعبه، يرفض الطبيب العمل في أي مجال غير مجاله، وانا اتفق مع رؤية الطبيب في هذا الأمر، وأرى أنه من المعيب على المجتمع أن يعمل الناس فيه بغير مجالات تخصصاتهم، ولكن هو ذاته الطبيب إن عرض عليه العمل مجانا من أجل اكتساب الخبرة، وقف معارضا، وكأنه يقول لا يمكن أن نعمل بشكل مجاني من أجل أن نضع المكاسب في أيدي الكبار ونبقى هنا متفرجين، في الوقت الذي يكون هو في حقيقة الأمر لا يلعب دورا غير دور المتفرج، واكرر أن مثال الطبيب للاستعارة.

يرفض أي خريج جامعي أن يعمل في مجالات كثيرة يرى أنه من العيب أن يعمل فيها، بينما يحقق الكثير من الأشخاص الذين لم تتوفر لهم فرص للتعلم، نجاحات كبيرة لأنهم فقط قبلوا أو ربما دفعتهم الظروف لقبول وظائف كثيرة لا يقبلها المتخصصين من امثال الجامعيين، وهذا مايفسر الخلل في ميزان سلم الرواتب والأجور في المجتمعات العربية.

يقبل أي خريج جامعي أن يعمل معلما بأجر يقل عن متوسط الدخل العام، بينما يرفض أن يعمل في مجالات كثيرة تحقق ضعف متوسط الدخل، لانه يرى من العيب ان يعمل في هذا المجال او ذلك، وتبقى هيبته الاكاديمية حاضرة، بينما تضيع كل هيباته الاجتماعية والنفسية والمادية بسبب ذلك الرأي الذي لا يحقق له أي تقدم على الصعيد الشخصي ولا الأسري ولا الاجتماعي.

فرص العمل دائما متاحة، فلم اجد يوما تخلو الصحف أو وسائل الاعلان من الترويج لطلب موظفين، وفي الوقت نفسه، دائما ما تقابل الباحثين عن العمل، وتسمع عن ارتفاع معدلات البطالة، التي تدار بكل الوسائل والطرق لمحاولة القضاء عليها من قبل الجهات المتخصصة حكومية وخاصة وبكل الاشكال ولن تتوقف حاجة العمل ولا حاجة العمال.

نحن بحاجة للخروج من وهم القدرة، والبدء في عملية واعدة تبنى على تشمير الأيدي والبدء في تعلم أساليب جديدة للعمل ووظائف جديدة للعمل وتحقيق نجاحات واقتناص فرص، لأن فشل الحصول على الوظيفة الامثل انما هو نابع من حقيقة العجز عن التعلم، فكم عاطل عن العمل يفتقد لابسط مهارات التواصل الاجتماعي، او يفتقد للغة اجنبية او يفتقد لمهارات في استخدام الحاسب الآلي.

الحقيقة أن من لا يجد عملا، لا يمتلك مهارات ولا يمتلك مبادرات، ولا يمتلك قناعات للبدء في التجربة والخطا والتعلم والسؤال والامتثال لقبول المعادلات المتجددة يوميا على المجتمعات المدنية المعاصرة، فمن كان يعمل في مجال التعليم معلما قبل 40 عاما، لن يسلك هذا المجال اليوم لانه سيجد هنالك من الفرص الوظيفية ما يحقق له عوائد مالية اكبر ومكانة اجتماعية ارفع والأمر لا يتعلق بغياب الفرص وانما بعجز الشخص عن التعلم والعمل.

أشرف بن محمد غريب
الرياض 7 أكتوبر 2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحاسة الثامنة

من كسر بيضة الديك؟

سر نجاح اكبر 100 شركة سعودية